أفاق بيئية : د. حمدي هاشم
مرت أربعين عاماً على ميلاد القانون الدولي لحقوق البيئة منذ عقدت منظمة الأمم المتحدة مؤتمرها الأول عن الإنسان والبيئة في استكهولم عام 1972، وتبعه الإعلان العالمي للبيئة بمجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم نشاط الدول في مجال منع أو تقليل الأضرار التي تنتج عن مصادر مختلفة في المحيط البيئي داخل أو خارج حدود السيادة الإقليمية؛ أي منع أو تقليل أو السيطرة على التلوث البيئي عبر الحدود الوطنية، مع إيجاد نظام قانوني فعّال لإصلاح الأضرار الناجمة عن هذا التلوث. وعليه تضمنت معظم دساتير دول العالم نصاً أو أكثر بشأن حق الإنسان في البيئة وواجب الدولة وسلطاتها المختلفة في حماية البيئة وصيانة مواردها.
ولما كان الحفاظ على البيئة ضرورة ـ بالغة الأهمية ـ لوقف تدهور المحيط الحيوي لمعيشة الإنسان وتعرضه المستمر للإصابة بأمراض التلوث البيئي، بما في ذلك إعاقة التنمية البشرية المتواصلة للمجتمعات، فقد كرست المنظمات الدولية جل اهتمامها لضمان سلامة كافة مجالات البيئة من النواحي التشريعية والتنفيذية والوقائية، وليس العلاجية فقط، حتى أصبح معيار حماية البيئة مما يلوثها من المعايير الهامة ـ غير التقليدية ـ لقياس الموقف الحضاري للأمم.
إلا أن الاتجاه البيئي بين المجتمعات البشرية يعانى من فجوة حضارية في ظل انهيار عدالة المواطنة في البيئة العالمية.حيث يدور الاهتمام البيئي المعاصر، في فلك غير منطقي للموازنة والمصاهرة بين الدول، حسب ثقلها الصناعي ودرجة تلويثها لبيئة كوكب الأرض، فلم يفرق بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول الفقيرة والمتخلفة ـ المستقبلة للصناعات الملوثة للبيئة ـ بغض النظر عن تدميرها للبيئة في دول أخرى مع عدم إعفاء تلك الدول من تكلفة التلوث. ويأتي ذلك الخلل البيئي بين الدول في التشريعات والقوانين على قدر حجم الفجوة البيئية في الدستور.
وتعانى مصر، رغم حضورها ذلك المؤتمر التاريخي المؤسس للقانون البيئي، من خلو دساتيرها السابقة من الحقوق البيئية وعدم تتناول قضايا البيئة بشكل حقيقي وملموس، حتى تم إضافة المادة رقم 59 في دستور 2007 والتي جاءت ضعيفة للغاية ولا تؤكد رعاية الدولة الحقوق البيئية لمواطنيها. وعلى شاكلة ذلك كان ظهور قانون البيئة رقم (4) لسنة (1994) متعثراً بين التشريع والتطبيق، فهو شتات من التشريعات والقوانين الدائرة حول حماية البيئة من التلوث، على صورة تعانى من عدم الدقة في الصياغة وسوء اختيار التقنية القانونية، وفى بعض الأحيان من عدم سلامة الأساس العلمي.
ولما كان واقع مشكلة البيئة يغلب عليها الطابع الأخلاقي، وأن إصدار القانون قد بعد عن استكمال وتدقيق المعنى وتقدير العقاب والثواب، فيكون بذلك قد خرج عن دائرة تفعيل النسق القيمى للأخلاقيات العامة، باتجاه المحافظة على البيئة من التلوث وصيانتها من أجل الأجيال القادمة. ومن جهة أخرى تجسيد سياسة الود المفقود، بين مختلف وزارات الحكومة وبين جهاز شئون البيئة، نتيجة تعارض المصالح واختلاف وجهات النظر، ويكفى أن المجلس التشريعي حد من الهيمنة والصلاحيات التنفيذية للجهاز المعنى بشئون البيئة. و لا يقل أهميـة عن ذلك عـدم وضوح موقف رجال الأعمال والجيش والشرطة إزاء قانون البيئة، بالإضافة إلى قيام الشك في قدرة الدولة على تطبيق القانون والقواعد المنظمة للبيئة، مما يؤول بقضية البيئة في مصر إلى وضع منفصل عن الموقف المحلى، متصل بالموقف الدولي لاستقطاب تمويل الدول المانحة.
وهنا تقتضى الضرورة تنظيماً شاملاً متكاملاً بشأن قضية البيئة في الدستور الجديد ضمن الحقوق والحريات الأساسية للمواطن المصري، حتى تقوى جهة الإدارة وتلتزم بالتدخل الوقائي لحماية البيئة متخلية عن دورها العلاجي ـ التقليدي ـ للمخاطر البيئية والأضرار بعد ظهورها، ونأمل صياغة نصوص في الدستور تؤكد على:
- معاملة كل من نهر النيل والأراضي الزراعية كمحمية طبيعية للمحافظة على المصدر الرئيس للمياه في مصر وتأكيد حق المواطنين في المياه العذبة، وكذلك المحافظة على ما تبقى من رصيد الأرض الزراعية وندرته.
- دعم وتقوية التوازن البيئي وأن يتم التأكيد على حق الأجيال القادمة في كافة الموارد الطبيعية وخاصة غير المتجددة منها وذلك بضبط ومراقبة الاستخدام الجائر لها.
- حماية أرض مصر من هجرة الصناعات الملوثة للبيئة إلى حيزها البيئي باستثمارات أجنبية تحرمها على أراضيها وتصدرها للدول الفقيرة هرباً من المسئولية البيئية.
- إنشاء المحاكم البيئية، وتشكيل المجلس الاستشاري للبيئة لوضع السياسات وضبط دور جهاز شئون البيئة الوقائي.
- تفعيل النسق القيمى للأخلاقيات العامة، وتمكين المشاركة الشعبية والمجتمعية في اتخاذ القرار البيئي للمشروعات.
الأستاذ الدكتور / حمدي هاشم :
بالتأكيد أفكاركم ومقترحاتكم الرائعة ، المحددة بمنهج علمي وثبات فكري عميق في خمس نقاط ، تعتبر إضافة هامة وبارزة لمسيرة سيادتكم في مجال تنمية المتمع وخدمة البيئة على مستوى الوطن العربي كله .
والأمر الذي يستوقفني هو سؤال يبحث عن إجابة : هل كان ينبغي أن تعرض هذه المقترحات على اللجنة التأسيسة لوضع الدستور أيام انعقاد جلساتها ؟!
وهل تقدم رجال البيئة المنافحين عنها والمدافعين بقوةوعزيمة عنها ومنهم الدكتور / حمدي هاشم ، إلى اللجنة أم فاتهم ذلك ، خاصة أن الذي أعلمه أن أعضاء اللجنة الموقرين جابوا مصر شمالها وجنوبها وشرقيها وغربيها ، وفضاءها نعم فضاءها ، واستدعوا الرجال الخلصين والعلماء والفنانين ورجال الرياضة… إلخ فأين رجال البيئة المخلصين من اللجنة واجتماعاتها … حتى يصل بنا الأمر إلى حتى يصل بنا الأمر إلى أن نذهب إلى الدكان بعد أن أغلق أبوابه ، أو ما يشابه الوضع الذي ذهب فيه رجل ليوصل قريبة إلى محطة القطار ولماصعد يرتب الشنط تحرك به القطار ليسافر هو ، وترك المسافر الأصلي على الرصيف . …
بقى أن تطمئنني على أن المشرعين والمقننين فيما بعد يستطيعون الالتفات لمقترحاتكم القيمة ، لترى النور بعد ذلك … النور الذي سيضيء لنا في بيئة نظيفة منتجة مبدعة .
كل الشكر والتقدير لشخصكم الكريم … ولا تحزن يا صديقي : فما تقدمونه أنتم ورفقاؤكم العلماء في مجال البيئة وأنتم تعملون في صمت محسوب أجره على الله، ، ثم الشرفاء من رجال مصر الذين يقدرون جهدكم وتجردكم .
الشاعر / محمد فايد عثمان
مقال متميز كما تعودنا من الدكتور حمدي
ولكن المشكلة الحقيقية من وجهة نظري تكمن في كيفية تفعيل هذه المقترحات، كيف يمكن تطبيق البنود المطروحة وكيف يمكن إضافتها للدستور، وفي حال إضافتها كيف نضمن أن تسن قوانين محترمة تلائم الموقف البيئي، وكيف يمكن التطبيق لكل هذا في نهاية المطاف؟
أعتقد أن التفكير في آليات التطبيق له من الأهمية ما يفوق التفكير في المبادئ ذاتها
دكتور جورج: الحل أولاً أن يتم الصياغة المختصرة لهذه الإضافات في متن الدستور الجديد ـ لأن الدستور الأخير ليس نهائي ووارد أن تعاد صياغته ـ وثانياً أن يتم تقويم قانون البيئة ولائحته التنفيذية وإعادة هيكلة وزارة البيئة لإتاحة الفرصة أمام آليات التطبيق