آفاق بيئية : هوكي إنجل – ميكالا كريشنان
أظهرت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) كيف قد يتجسد على نحو مفاجئ خطر عالمي معترف به منذ فترة طويلة لكنه لا يحظى بالتقدير الكافي فيتسبب في إحداث دمار اجتماعي واقتصادي في غضون بضعة أسابيع. المغزى الضمني هنا واضح: ففي حين يركز العالم بحق على محاربة الجائحة الحالية، يتعين على الشركات والحكومات أيضا أن تقر بمخاطر أخرى وتخطط للتصدي لها، وخاصة تغير المناخ، الذي قد يتسبب، مثله في ذلك كمثل الجائحة، في قلب الاقتصاد العالمي رأسا على عقب إذا لم ننجح في إدارته على النحو اللائق.
هذا ليس استنتاجا نتوصل إليه بسهولة. ففي معهد ماكينزي العالمي، أمضينا عاما في تقييم الآثار الاجتماعية الاقتصادية المحتملة لتغير المناخ على مدى العقود الثلاثة القادمة. وقد وجدنا أن هذه التأثيرات قائمة بالفعل وآخذة في الازدياد، وغالبا بطرق غير خطية.
كجزء من تحليلنا، أجرينا تسع دراسات حالة عبر المناطق لقياس التأثيرات المحتملة، وربطنا النماذج المناخية بالتوقعات الاقتصادية في كل حالة. وقد قمنا بتقدير المخاطر المادية الكامنة، في غياب جهود التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته، لتقييم حجم التحدي وتسليط الضوء على الحجة لصالح التحرك العاجل.
كثيرا ما يستخدم باحثو المناخ سيناريوهات مسار التركيز التمثيلي، الذي يتراوح من الحد الأدنى (2.6) إلى الحد الأعلى (8.5) من تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وقد اعتمدنا سيناريو الانبعاثات الأعلى لتقييم المخاطر المادية الكامنة في غياب المزيد من جهود إزالة الكربون.
أنتجت دراسات الحالة التي أجريناها العديد من الاكتشافات. فأولا، وجدنا أن المجتمعات والأنظمة الأكثر عُـرضة للخطر تقترب بالفعل من العتبات الفيزيائية والبيولوجية. علاوة على ذلك، فإن المخاطر المناخية المتزايدة ربما تجعل هذه الأنظمة ضعيفة عندما تصل إلى هذه العتبات، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اشتداد حدة التأثيرات بطريقة غير خطية.
على سبيل المثال، تعني زيادة الحرارة والرطوبة في الهند أن نحو 160 مليون إلى 200 مليون شخص قد يعيشون في مناطق حيث يصل احتمال حدوث موجات حر قاتلة إلى 5% سنويا في المتوسط بحلول عام 2030 في ظل سيناريو مسار التركيز التمثيلي 8.5. مع ارتفاع مستويات الحرارة والرطوبة، قد يصبح العمل في الهواء الطلق أمرا بالغ الصعوبة. وتشير تقديراتنا إلى أن متوسط عدد ساعات العمل الفعلية المفقودة في الهند بحلول عام 2030 قد تعرض للخطر نحو 2.5% إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا.
ثانيا، يجري تصميم وتحسين الأنظمة الاقتصادية والمالية بما يتماشى مع مستوى معين من المخاطر. على سبيل المثال، تعطي العديد من سلاسل الإمداد وأنظمة الإنتاج الغذائي العالمية الأولوية للكفاءة على القدرة على الصمود، مما يجعلها عرضة للفشل إذا أثرت المخاطر المناخية المتزايدة الحدة على محاور الإنتاج المهمة.
علاوة على ذلك، في حين يُـعاد تسعير التأمين على الممتلكات العقارية بشكل عام سنويا، فإن أصحاب المنازل يتمتعون غالبا بآفاق زمنية طويلة الأجل قد تصل إلى ثلاثين عاما أو أكثر لاستثماراتهم العقارية. ويعرض عدم التوافق على هذا النحو أصحاب المنازل لخطر ارتفاع التكاليف، بما في ذلك زيادة الأقساط (بما يعكس المخاطر الأعلى)، أو تقلص التغطية التأمينية.
ثالثا، من الممكن أن تدفع الأسواق المالية بالمخاطر إلى الأمام في المناطق المتأثرة، مما قد يؤدي إلى إعادة تخصيص الرأسمال وإعادة تسعير الأصول، فضلا عن التغيرات في تكلفة التأمين وإتاحته. في ولاية فلوريدا، على سبيل المثال، تشير التقديرات المستندة إلى اتجاهات سابقة إلى أن زيادة خطر الفيضانات الـمَـدّية وحدها قد تقلل من قيمة المنازل المعرضة للخطر بنحو 30 مليار إلى 80 مليار دولار، أو 15% إلى 35%، بحلول عام 2050، في حال ثبات كل العوامل الأخرى.
في حين يكون التأثير المباشر لتغير المناخ محليا، فإنه قد يخلف تأثيرات متسلسلة عبر المناطق والقطاعات نتيجة لتشابك وترابط الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية والمالية (كما هي الحال اليوم أيضا مع جائحة كوفيد-19). على سبيل المثال، تشير تقديراتنا إلى أن الأضرار المباشرة التي قد تلحق بأصول البنية الأساسية نتيجة لفيضان يحدث كل 100 عام في مدينة هو تشي منه في فيتنام، قد تتزايد من نحو 300 مليون دولار أميركي اليوم إلى مليار دولار بحلول عام 2050، في حين قد ترتفع التكاليف المتراكمة على الاقتصاد من 100 مليون إلى 400 مليون دولار إلى أي رقم بين 1.5 مليار إلى 8.5 مليار دولار.
أخيرا، قد يؤثر تغير المناخ على السكان الأكثر ضعفا بشكل غير متناسب، وقد يعمل على توسيع فجوات التفاوت بسبب استفادة بعض المناطق بالتزامن مع تضرر مناطق أخرى. (تكشف الجائحة أيضا عن فجوات التفاوت وتزيد من اتساعها في العديد من البلدان). وبشكل خاص، قد تتسبب الأحداث المناخية في مضاعفة احتمال فشل الحصاد في العديد من سلال الخبز الزراعية بحلول عام 2030 ــ ما يعني غلة محاصيل أقل كثيرا من المتوسط في مناطق الإنتاج الرئيسية للأرز، والقمح، والذرة، وفول الصويا. وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وإلحاق أعظم قدر من الضرر بالمجتمعات الأكثر فقرا ــ بما في ذلك 750 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الدولي.
للتخفيف من التهديد المتمثل في تسبب تغير المناخ المستمر في تعريض المزيد من المجتمعات والاقتصادات للمخاطر، يتعين على الشركات والحكومات أن تتكيف الآن مع الانحباس الحراري الكوكبي الذي سيحدث خلال العقد القادم نتيجة لانبعاثات الماضي. ويتعين عليها أن تعمل على إزالة الكربون لتقليص المخاطر في الأمد البعيد.
من المرجح أن نضطر إلى زيادة وتيرة ونطاق التكيف مع المناخ بشكل كبير. ويجب أن تشمل الأولويات حماية الناس والأصول، وتعزيز القدرة على الصمود، والحد من التعرض لمخاطر المناخ، وضمان توفر التمويل والتأمين المناسبين. يستلزم تحقيق هذه الأهداف المزيد من التخطيط المكثف اليوم، لأن تنفيذ مثل هذه التدابير قد يكون صعبا. وقد تسوء حال اقتصادات التكيف بمرور الوقت في بعض المناطق، بما في ذلك تلك المعرضة لارتفاع مستويات سطح البحر. بالإضافة إلى هذا، ربما تواجه جهود التكيف قيودا فنية أو قد تنشأ عنها مقايضات عصيبة، بما في ذلك مَـن وماذا يستحق الحماية أو إعادة التوطين.
هناك مجموعة من التدابير التي تستحق النظر. فمن الممكن أن تضع الشركات اعتبارات المناخ في حسبانها عندما تخصص رأس المال، وفي إنتاجها وتطوير خدماتها، وإدارتها لسلاسل الإمداد. ومن الممكن أن تضع المدن مخاطر المناخ في صميم قراراتها المرتبطة بالتخطيط الحضري، في حين تستطيع المؤسسات المالية أن تفعل الشيء ذاته عند إدارة محافظها الاستثمارية.
ولكن على الرغم من أن التكيف أصبح الآن ضرورة ملحة، فقد أظهرت علوم المناخ أن المخاطر الناشئة عن المزيد من الانحباس الحراري الكوكبي لا يمكن منعها إلا من خلال تقليص صافي الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري إلى الصِفر. لذا، ينبغي لقادة الأعمال والقادة السياسيين أن ينظروا أيضا في فرص إزالة الكربون المحتملة بالتوازي مع الاستثمار في التكيف.
لقد أثبتت الجائحة الحالية إلى أي مدى قد تتكاثر المخاطر العالمية وتنتشر، ولماذا تشكل القدرة على الصمود والمرونة وإدارة المخاطر أهمية بالغة لحماية العالم من تهديدات أخرى ــ وتغير المناخ على وجه الخصوص. كما تعلمنا بشكل مباشر في الأشهر الأخيرة، فإن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على الفشل في الاستعداد للتصدي لمثل هذه المخاطر باهظة إلى الحد الذي لا يجوز لنا معه تجاهلها.
*هوكي إنجل : شريك في شركة McKinsey & Company.
*ميكالا كريشنان زميل أقدم في معهد ماكينزي العالمي.
ترجمة: مايسة كامل