قضايا المناخ والاكراهات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالغابات المطيرة

محمد التفراوتي22 يونيو 2020Last Update :
قضايا المناخ والاكراهات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالغابات المطيرة

 غابة الأمازون نموذجا

آفاق بيئية : الدكتور محمد بنيخلف*

مدخل عام:

يختلف حق الإنسان في البيئة السليمة بين الرؤية السياسية أو الدينية التي تعتبر الإنسان مسؤولا عن إدارتها وتنميتها لصالحه ولصالح من سيخلفه من جهة، والمفاهيم الرأسمالية التي تدور حول فكرة تحقيق تقدم الإنسان ورفاهيته، وانطلاقا من ذلك له الحق في استغلال موارد البيئة لتحقيق أكبر قدر من المتعة لذاته وتنمية شخصيته.

في حين تدور معظم التعريفات للحق في البيئة بين:

المعيار الشخصي:

غايته تأمين الوسط الملائم لحياة الإنسان في العيش بكرامة وفي ظروف تسمح بتنمية متناسقة لشخصيته و يعتبر هذا الجانب عضويا ، ويخص البيئة ذاتها لأنها وعاء هذا الحق.

المعيار الموضوعي:

يضع هذا المعيار في اعتباره البيئة المتوازنة كونها قيمة في ذاتها، وما يقتضيه ذلك من صيانة مواردها وتحسين نظمها ودفع التلوث عنها والتدهور والاستنزاف الجائر لمواردها.

وهنا يتعلق الأمر بالجانب الوظيفي أو الغاية الإنسانية لكل الاهتمامات بحماية البيئة.

يعتبر بعض المتخصصين في هذا المجال أن عين العقل تقتضي الأخذ بعين الاعتبار المعيارين معا.

 خصائص الحق في البيئة السليمة:

الخاصية الزمنية: للزمن دور مهم في تحديد مضمون هذا الحق، لأنه لا يخص الأجيال الحاضرة وحدها بل الأجيال المقبلة أيضا.

الخاصية التضامنية: اذ يحتاج هذا الحق إلى تظافر جميع الجهود وعلى المستويين الوطني والدولي لحمايته واحترامه، وذلك انطلاقاً من وحدة البيئة الإنسانية، و الحق في البيئة النظيفة لم يعد حقا فرديا ، بل صار حقا جماعيا، أي هو حق الشعوب.

مفارقات البرازيل في مواجهة تغير المناخ

  •  تعد البرازيل ثامن أكبر دولة ملوثة للكوكب من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة التي تأتي بالأساس من النموذج المتبع في استخدام التربة والغابات أكثر من قطاع الطاقة وذلك بسبب إزالة الغابات في منطقة الأمازون ، ولكن أيضا الإفراط في تربية الماشية ؛
  •  الدولة النامية الثالثة، بعد الصين والهند؛
  •  في مجال تطوير الطاقات المتجددة ، تعد البرازيل نموذجًا – الإيثانول ، والطاقة الكهرومائية ، والحوافز  …؛
  •  تعد البرازيل من أكثر الدول قابلية للتأثر بآثار التغير المناخية ، وذلك بسبب التنوع البيولوجي الكبير وهشاشة نظمها الإيكولوجية ، وهو أمر مثير للقلق؛
  •  خلال المفاوضات الدولية حول موضوع التغيرات المناخية ، ترفض البرازيل الحد من انبعاثاتها من الغازات الدفيئة قبل منتصف القرن الحادي والعشرين ، معتقدة أن المسؤوليات التاريخية للبلدان المتقدمة في تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تتجاوز بكثير انبعاثات الدول الناشئة.

غابة الأمازون في أرقام

  •   بدأت غابة الأمازون بالظهور منذ 55 مليون عام؛
  •   وصل الإنسان إلى تلك الغابات منذ 11 ألفا و200 سنة تقريبا؛
  •   تبلغ مساحة حوض الأمازون 6 ملايين و300 ألف كيلومتر مربع، أي 35.5 % من مساحة أميركا الجنوبية،
  •   مساحة غابة الأمازون: 05 ملايين و500 ألف كيلومتر مربع موزعة بين 8 دول تحيط بها في أميركا الجنوبية (60% للبرازيل، 13% للبيرو، 10% لكولومبيا ونسب أقل لفنزويلا والإكوادور وبوليفيا وغيانا وسورينام، إضافة إلى “غيانا الفرنسية).
  •   عدد سكان غابة الأمازون: 34 مليون نسمة (الثلثين في مناطق حضرية)؛
  •   يبلغ عدد الشعوب الأصلية: 385؛
  •   غابة الأمازون أكبر بمليون كيلومتر مربع من مساحة دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة؛
  •   من الغابات المكتظة بأكثر من 390 مليار شجرة حاليا؛
  •   لكل إنسان 50 شجرة بالأمازون؛
  •   تجدد غابة الأمازون 20% من الأوكسيجين بجو الأرض؛
  •   تعد من أكبر الغابات المطيرة على سطح الأرض، حيث تنتج عن عملية “الطفح التبخيري” (Evapotranspiration)   كميات هائلة من مياه الأمطار كافية لتلبية حاجات معظم أميركا الجنوبية، اذ بإمكان الشجرة البالغ قطر هامتها أو قبتها، حوالي 10 أمتار مثلا أن “تضخ في الجو أكثر من 300  ليتر بخار ماء يوميا، وإذا كان قطرها 20 مترا فإنها تضخ 1000 ليتر”، وهذا الضخ الهائل واليومي من مليارات الأشجار، يؤلف السحاب الحامل للمطر؛
  •   يبلغ طول نهر الأمازون: 6500 كلم تقريبا؛
  •   تختزن غابة الأمازون 90 إلى 140 مليار طن مكعب من المواد الكربونية، المساعدة على توازن المناخ في العالم كله، لأنها تمثل وحدها 10% من حجم “الكتلة الحية” (Biomasse) على سطح الأرض ؛
  •   التنوع البيولوجي لغابات الأمازون يغطي 25% من الأنواع الحيوانية والنباتية على المستوى العالمي؛

غابة الأمازون يتم قطعها وحرقها: لماذا؟ وأين يكمن الخطر؟

  • – مساحة الغابات الأمازونية التي يتم قطع أشجارها كل شهر مرت من 136,3 كلم2 في شهر يناير 2019 الى 2254,8 كلم 2 خلال شهر يوليوز من نفس السنة؛ 
  • –  أكثر من 75 ألف و336 حريق سجلت في منطقة الأمازون منذ يناير 2019 أي بزيادة 84% أكثر من سنة 2018 ؛

لماذا؟

السياق البرازيلي الحالي:

  • الرئيس الجديد للبرازيل جائير بولسونارو تم تنصيبه في يناير 2019 وهو من (Climat-sceptique) وآثارها السلبية وهو ممن  يدعمون النظرية التي تنفي علاقة البشر بالتدهور البيئي الحالي والمستقبلي وتغير المناخ؛
  • قطع الأشجار و/أو حرقها يؤديان الى نفس النتيجة والتي تتجلى في فتح الطرقات وتخصيب الأراضي لجعلها صالحة لمختلف الزراعات وتربية المواشي؛

أين يكمن الخطر؟

احراق الغابات الأمازونية يؤدي الى كارثتين أساسيتين:

  • أمطار غير منتظمة ناتجة عن انخفاض التساقطات من جراء انخفاض عدد الأشجار المسؤولة عن عملية “الطفح التبخيري” (Evapotranspiration)  المؤدي الى انتاج كميات هائلة من مياه الأمطار؛
  •  تأثير التغيرات المناخية على الصعيد العالمي بالإضافة الى الغازات المسببة للاحتباس الحراري  الناتجة عن احتراق الغابات عجلت بانخفاض العتبة الحرجة لغابة الأمازون من 40% من الغابة المفقودة الى 20% والتي عندها تفقد الغابة الأمازونية قدرتها التنظيمية لعدة ظواهر مناخية وطبيعية.

الضغوطات السياسية

أدت مختلف الضغوطات السياسية التي تمارسها أحزاب الخضر من خلال مسؤولياتها الحكومية و/أو التشريعية داخل البرلمان لأوروبي بالخصوص ومنظمات المجتمع المدني البيئي الى فرض مناقشة قضية حرائق غابة الأمازون ضمن جدول أعمال مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تضم كلًا من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة؛

وفي هذا الاطار، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الحرائق تشكل “أزمة دولية” كما اتهم الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره البرازيلي بولسونارو بـ “الكذب” حول تعهداته في مجال البيئة، وأكد أنه قد يعرقل جهود المصادقة على الاتفاق التجاري المبرم بين الاتحاد الأوروبي ودول السوق المشتركة لأميركا الجنوبية (ميركوسور).

وفي نفس السياق انتقد زعماء أوروبيون موقف الرئيس جاير بولسونارو من القضايا المرتبطة بالبيئة وتعهدوا بفرض عقوبات تجارية ضد بلده إذا لم يغير من سياساته.

تقول منظمات بيئية وباحثون إن حرائق الغابات تسبب فيها مربو الماشية الذين يريدون تجريف تلك الأراضي بتشجيع من الرئيس البرازيلي المؤيد لهذا القطاع من الأعمال في البلاد، الشيء الذي أدى الى تنظيم مظاهرات بدول عدة أمام سفارات البرازيل احتجاجا على حرائق الأمازون وانتقادا للتقصير في مكافحة الحرائق في ما تُعرف باسم “رئة العالم” التي هي موطن لحوالي ثلاثة ملايين نوع من النباتات والحيوانات ومليون شخص من السكان الأصليين.

كما نظمت الجمعيات والشبكات والمنظمات المهتمة بمجال البيئة احتجاجات في مدن برازيلية مختلفة للمطالبة باتخاذ إجراءات لمكافحة الحرائق؛

النتائج

تعهدت مجموعة الدول السبع بتقديم مساعدة مالية بقيمة 20 مليون دولار لإطفاء الحرائق في الأمازون وحماية غاباتها، إضافة لـ12 مليون دولار منفصلة من بريطانيا، و11 مليون دولار من كندا؛

في المقابل وبعد ضغط دولي على البرازيل، الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو يصدر أوامره لوحدات من الجيش للمساعد في مكافحة حرائق الغابات بالأمازون. 

كما صرح الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو أن الحكومة تدرك جيدا وضع غابات الأمزون وأهميتها وطنيا ودوليا، وستكافح “الجريمة البيئية” بنفس الطريقة التي تكافح بها الجريمة العادية.

*الدكتور محمد بنيخلف : باحث في علوم البيئة والتغيرات المناخية

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!