استراتيجية عالمية للخروج من أزمة كوفيد-19

محمد التفراوتي13 أبريل 2020آخر تحديث :
استراتيجية عالمية للخروج من أزمة كوفيد-19

آفاق بيئية : نجاير وودز – رجائي باتنيجي

قد يتحول العالم الخارج من وباء فيروس كورونا إلى مجموعة متحاربة من الدول التي صارت أكثر انغلاقا وميلا للنزعة القومية من ذي قبل. وبدون تعاون سريع وفعال، قد لا يخرج العالم من هذه الأزمة بسلام على الإطلاق.

HILDEN, GERMANY – MARCH 11: An employee of German biotech company Qiagen demonstrates the use of the Qiagen QIAstat-Dx testing device for infectious diseases at the Qiagen plant on March 11, 2020 in Hilden, Germany. Qiagen has modified the device for testing fluid samples for coronavirus infection and Qiagen is seeking to deliver it to hospitals, clinics and doctors across Europe. Germany has registered approximately 1,200 cases of coronavirus infection and recently reported its first two deaths. (Photo by Sascha Schuermann/Getty Images)

لو تأملنا فيما يجري في الوقت الحالي على الأقل، لأبصرنا هيمنة ردود الفعل المتسمة بالقومية المفرطة. فبالإضافة إلى حظر التجول والإغلاق وحوادث الاستيلاء والمصادرة، تقوم الحكومات بإغلاق الحدود واستخدام خطاب الحرب لحشد شعوبها. كما تعطلت سلاسل الإمداد والتجارة العالمية ليس بسبب الإغلاقات فقط، بل لتصارع الدول الغنية على الإمدادت أيضا.

لكن قريبا سيتحتم على الحكومات إعادة تشغيل الاقتصاد العالمي، مما سيتطلب تعاونا دوليا في مناح رئيسة عدة.

يتمثل أول عنصر حيوي في أي استراتيجية للخروج من أزمة كوفيد-19 في حملة فحوصات ضخمة (تشمل جانبي العدوى والمناعة) كي يستطيع الأصحاء العودة إلى العمل، ويحصل من أصابتهم العدوى على العلاج المناسب. ولتحقيق ذلك، ستحتاج الدول إلى إمدادات كافية من أدوات الفحص والاختبار ومعدات الوقاية، إضافة إلى توفير أجهزة مساعدة التنفس وإتاحة علاجات الطوارئ.

ويعتبر التعاون الدولي أمرا ضروريا للتمكين من توفير الفحص والعلاج الشاملين. فمثلا تعد شركة كوبان، الواقعة شمالي إيطاليا، مورّدا رئيسا للمسحات المستخدمة في جمع العينات الأنفية البلعومية. وتعد كياجن، وهي شركة ألمانية ذات سلسلة إمدادات عالمية متشعبة، المنتج الرئيس للمواد الكاشفة المستخدمة في استخلاص الحمض النووي للفيروس من الخلايا المجمعة. كما تصنع الشركات الأجنبية نصف أجهزة مساعدة التنفس الموجودة في الولايات المتحدة تقريبا، التي يأتي ثلثها من أوروبا.

لكن بينما انشغل حكام الولايات في أميركا بالمزايدة ضد بعضهم بسبب مشكلة نقص أجهزة مساعدة التنفس، أقدمت بعض الحكومات الأوروبية على حظر تصديرها. كذلك صرح أحد وزراء الحكومة البريطانية بأن عجز الدولة عن تأمين المواد الكاشفة اللازمة يبطئ عملية الفحص.

الحل هنا يكمن في زيادة التعاون في الإنتاج والتوزيع، باستخدام سلاسل الإمداد العالمية بأكثر الوسائل والصور الفعالة الممكنة، وتجميع ومشاركة الموارد والمعدات حتى يمكن تخصيصها، نظرا لتنقل الحاجة من دولة إلى أخرى. فالصين الآن مثلا تتبرع بأجهزة مساعدة التنفس للولايات المتحدة وتصدر الكمامات.

يتمثل المكون الثاني لأي استراتيجية خروج في مراقبة الأمراض ومكافحتها بشكل فعال ومؤثر. نعلم حقا أن دولا كثيرة تعارض تلك النوعية من المراقبة عبر الإنترنت المستخدمة في الصين وكوريا الجنوبية، لكن نظرا للوقت الهائل الذي يتطلبه التعقب المادي التقليدي لمخالطي المرضى، يصعب تصور أي استراتيجية للخروج لا تشتمل على تطبيقات لهذا الغرض.

بالفعل تشير دراسة جديدة لباحثين في جامعة أكسفورد إلى أن تطبيقات التعقب قد تكون مؤثرة في تقليل معدلات العدوى، حتى عندما يطبقها 60% فقط من السكان. لذا ينبغي للمجتمعات الغربية التعلم من نجاحات الصين وكوريا الجنوبية، والموازنة بين مخاوف تعزيز كفاءة حكوماتها على المراقبة والضرر الذي قد يعانيه الناس حال بقائهم محاصرين بالإغلاق.

على الدول المترددة الإسراع بالتعاون فيما بينها وتبني أدوات المراقبة الضرورية لحماية الحقوق المدنية. وسيستلزم ذلك رقابة شفافة وأسسا واضحة للعدالة (بما في ذلك المساواة في الوصول إلى الأشخاص وتوفير العلاج لهم)، وحماية فائقة للبيانات، وعمليات مراجعة وتدقيق للخوارزميات المستخدمة.

ثالثا، كي يكتمل عنصر الأمان، تحتاج أي استراتيجية عالمية للخروج من أزمة كوفيد-19 إلى أن تكون مصحوبة بلقاح فعال. ولحسن الحظ يسهم التعاون العلمي الدولي في تسريع وتيرة التقدم نحو تطوير مثل هذا اللقاح، حيث نجد باحثين من الصين والولايات المتحدة وأوروبا ينشرون نتائج أبحاثهم الخاصة بتسلسلات الفيروس الجينية، فيما يتعاون أطباء من جامعة هارفارد ومستشفى سيجينج في مدينة شيآن الصينية ومن شمال إيطاليا للتوصل إلى علاجات للفيروس، كما يعلن أبرز علماء الفيروسات عن نتائج أبحاثهم عبر المؤتمرات الصحفية الهاتفية لمنظمة الصحة العالمية ويضعونها على خوادم إلكترونية لحفظ السجلات مثل medRxiv، وbioRxiv.

كما سيكون التعاون الدولي مطلوبا لضمان نشر اللقاح عالميا. فقد أعلنت السلطات الصينية مؤخرا عن اكتشاف حالات جديدة مصابة بفيروس كوفيد-19 “مستوردة” من دول أخرى، بينما يتوقع بعض الخبراء في أوروبا وأميركا الشمالية بالفعل موجة ثانية من تفشي الفيروس.

دروس التاريخ هنا خير معلم. فرغم نجاح التطعيمات في تمكين معظم الدول الغنية من القضاء على الجدري من جانبها بحلول أواخر أربعينيات القرن الماضي، تواصلت عودة المرض من الخارج عبر حدود تلك الدول. لذا تطلب الأمر جهدا عالميا من جانب منظمة الصحة العالمية لاستئصال الجدري عالميا بحلول عام 1978.

هناك أيضا حاجة لنظام إنذار مبكر لتتبع ظهور فيروسات جديدة أو متحورة. فكما ظهر من حال كوريا الجنوبية، يفيد وجود نظام إنذار مبكر ضد كوفيد-19 في تمكين أي حكومة من الاستجابة بسرعة من خلال تكثيف الفحص وإدراج جميع السكان في عملية تقصي المخالطين للمرضى واحتوائهم، مما يقلل على الأرجح التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لأي وباء.

غير أن نظم الإنذار المبكر تستلزم من الحكومات إبلاغ العالم بأمر أي عدوى جديدة بمجرد اكتشافها، وهو ما يمكن أن يشكل قضية حساسة. لذا تحتاج الدول إلى تطمينات بأن الإبلاغ عن تفشي الأمراض لن يعرضها لعقاب فوري في شكل قيود غير ضرورية على السفر والتجارة، وبأن أي إجراءات من هذا القبيل سيتم طرحها للمناقشة بشكل تعاوني جماعي.

يفترض أن يكون العالم تعلم هذا الدرس خلال وباءي سارس وإيبولا اللذين تفشيا في العقدين الماضيين. فقد تسببت قيود السفر والتجارة المفروضة من قبل 40 دولة في إعاقة الإبلاغ عن تفشي إيبولا في مناطق كثيرة، مما أخر رد الفعل العالمي. كذلك ربما كان لتجربة الصين مع وباء سارس أثر في جعل قادتها أقل ميلا لإخطار العالم الخارجي بشأن تفشي كوفيد-19. وبمجرد أن أعلنوا عنه، أغلقت الدول حدودها بطرق تتناقض مع توجيهات منظمة الصحة العالمية. ومن ثم سيتوجب على الحكومات بعد انتهاء تلك الأزمة العمل على تعزيز نظام الإنذار المبكر على أساس تعاوني يتبنى مبدأ يوم لك ويوم عليك.

أخيرا، كلما زادت سرعة وفعالية تحركنا لاحتواء انتشار الفيروس في أفقر دول العالم وأشدها كثافة سكانية، استطعنا حماية الجميع بصورة أفضل. وهذا يتطلب استثمارات عاجلة في مجال الوقاية، وهو أمر يعتمد أيضا على التعاون ــ بما في ذلك التعاون عبر المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والتمويل الطارئ المقدم من صندق النقد الدولي (الذي طلبته أكثر من 90 دولة حتى الآن)، والدعم الصحي الطارئ المقدم من البنك الدولي.

يشكل وباء كوفيد-19 تهديدا غير مسبوق على كل من الصحة العامة والاقتصاد العالمي. ولن تتمكن الحكومات من حماية شعوبها التي تدعي تمثيلها إلا بنبذ القومية المتعصبة المتمثلة في لغة خطابها وسياساتها، وتبني شكل أقوى من التعاون الدولي.

*نجاير وودز عميد كلية بلافاتنيك الحكومية بجامعة أكسفورد.

*رجائي باتنيجي مؤسس مشارك للصحة الجماعية

ترجمة: أيمن أحمد السملاوي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!