د. خالد السليمان*
إن رؤية المملكة العربية السعودية للطاقة المستدامة واستراتيجيتها وآلياتها في تنفيذ ذلك قد تصبح حجر الزاوية لاستدامة الطاقة في المنطقة كلها، بل وأبعد من ذلك للعالم بأسره. نحن نؤمن بأن إيجاد مستقبل أكثر ازدهاراً لأبنائنا وأحفادنا، ليس في المملكة فحسب بل في كل مكان، يحتم علينا أن نعمل جميعاً في إيجاد مستقبل عملي للطاقة. مستقبل يتميز بعدد من الخصائص، وهي: أولاً، أن يكون جهداً جماعياً. ثانياً، أن نتمكن جميعاً من تحقيقه. ثالثاً، أن يكون مجدياً اقتصادياً. رابعاً، أن يكون مستداماً. خامساً، أن تحقق منظومة طاقة المستقبل التعظيم الأمثل للتقنيات والمتغيرات المتوفرة.
تلك الخصائص الفريدة لطاقة المستقبل هي ذاتها الخصائص التي شكلت رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبداللـه بن عبدالعزيز للمنظومة المستقبلية للطاقة في المملكة العربية السعودية، والتي تجسدت في إنشاء مدينة الملك عبدالـله للطاقة الذرية والمتجددة (K.A.CARE). وأنا على يقين بأن منافع خصائص مستقبل الطاقة تلك هي هدفنا جميعاً.
جهد جماعي
منذ البداية، عملنا على رسم مستقبل للطاقة في المملكة يتميز بترابط وتجانس مع منظومة الطاقة الاقليمية والعالمية، بدءاً بمنطقة مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، امتداداً إلى منطقة الاتحاد الأوروبي. وحرصنا على أن يكون المستقبل مبنياً على العمل الجماعي والمجدي اقتصادياً لنا جميعاً. إن الجهد الجماعي مهم لمستقبل الطاقة في المملكة العربية السعودية كما هو مهم لمستقبل الطاقة في العالم بأسره.
التحدي الرئيسي الذي يواجه قطاع الكهرباء في المملكة هو أن 45 في المئة من الأحمال المركبة لتوليد الكهرباء تبقى معطلة خلال فترة انخفاض الطلب في الشتاء، وكذلك في أجزاء من الربيع والخريف. وسبب ذلك أن التبريد يشكل أكبر مستهلك للكهرباء في المملكة، بنسبة تصل إلى 50 في المئة من استهلاك الكهرباء أثناء فصول الذروة، وتتناقص بشكل كبير في غير ذلك. هذا يعني أنه بحلول سنة 2030، عندما تبلغ ذروة الطلب 100 جيغاواط، فإن 45 جيغاواط على الأقل من الأحمال المركبة ستبقى معطلة.
أحد أساليب التعامل مع ذلك التحدي هو توظيف التقنيات التي يرتفع إنتاجها للكهرباء خلال فصول الذروة الى الحد الأقصى، ويقل إنتاجها في غير ذلك. وهذا ينطبق تماماً على الطاقة الشمسية، فهي خيار ممتاز لتقليل جزء من هذا التحدي. لكن لا يمكنها القيام بذلك منفردة.
لذلك، درسنا الفرص الممكنة من تبادل الأحمال ـ أو ما يعرف بتصدير الكهرباء ـ خلال مواسم تفاوت الطلب. وذلك بأن تصدر المنطقة لأحمال المعطلة وغير المستغلة خارج مواسم ذروة الطلب على الكهرباء، إلى المناطق ذات الطلب العالي بسبب مواسم الذروة، أي البلدان التي تتزامن ذروة الطلب فيها مع فترة انخفاض الطلب في المملكة. وأظهرت دراستنا أن الاستثمارات في الشبكة اللازمة لنقل الكهرباء المولدة في السعودية الى الاتحاد الأوروبي لا تزيد على 18 في المئة من مجمل الاستثمارات اللازمة لتركيب قدرات التوليد.
اذا تحقق هذا الربط القوي، فإن الفائدة الاقتصادية ستكون عظيمة وشاملة. إن فوائد الجهد الجماعي في تخفيض الحاجة إلى تركيب قدرات التوليد بنسبة بين 10 و20 في المئة، مع إمكانية مقايضة الطاقة جماعياً، ستكون من خلال توفير تلك الاستثمارات غير الضرورية. ولذلك فإن مقايضة الطاقة ليست أحد جوانب التعاون في مجال الطاقة فحسب، ولكنها جانب مهم جداً.
هذه هي رؤية مشروع «ديزرتك»، الطامح إلى إنتاج الطاقة المتجددة في الصحارى العربية لتأمين الحاجة المحلية وتصدير الفائض إلى أوروبا. ونحن في السعودية في وضع يمكننا من دعم هذه الرؤية وجعلها تتحقق بالمشاركة مع الجميع.
أن نتمكن جميعاً من تحقيقه
عملياً، لا يوجد مكان على الأرض لا يحوي مصادر للطاقة المتجددة. المسألة فقط هي في حصاد الطاقة ونقلها وإيصالها بشكل صحيح واقتصادي. وهذا إطار أساسي لمضامين عميقة: فالطاقة، بشكل أو بآخر، متوافرة بكثرة في طبيعتها الخام، سواء أكانت أشعة شمسية أو عصف رياح أو تيارات بحرية.
أشعة الشمس هي في الأساس عديمة الكلفة. لكن إذا لم تطور الدول أنظمتها الخاصة لحصاد طاقة الشمس، أو جزءاً منها، فإنها في الواقع ستكون مستوردةً للطاقة الشمسية. وللمناسبة، فإن أنظمة حصاد الطاقة لا تعد مكلفة بشكل استثنائي، وذلك لأن جزءاً كبيراً من كلفة الأنظمة هو في مكونات الخدمات والتي تشمل التصميم والتوريد الهندسي والإنشاء والتركيب والتشغيل والصيانة.
وبالنسبة الى المملكة العربية السعودية، فقد أظهرت دراساتنا أنه يمكن توطين أكثر من 85 في المئة من سلسلة القيمة المضافة لمنظومة الطاقة المتجددة والتي ستستهدف المملكة تطويرها خلال السنوات العشرين المقبلة.
ومن البديهي التفكير في الاستدامة على أنها مرادفة لمفاهيم العناية بالبيئة، والتنمية البشرية، والحيوية الاقتصادية. لكن الاستدامة تعني أكثر من ذلك. فاذا تم تطوير سلسلة وطنية فاعلة للقيمة المضافة، فإن الاستدامة هنا تعني «أمن امدادات الطاقة»، كما تعني الكفاءة والتوفير. وهي أيضاً تمكّن من تطوير قطاعات أخرى، فالطاقة المتجددة مثلاً يمكن أن تؤدي دوراً مهماً جداً في جعل تحلية المياه المالحة عملية مستدامة في بلدان تفتقر الى مصادر المياه العذبة.
بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، وكذلك لدول أخرى، فإن إدخال مصادر الطاقة المتجددة والاستفادة منها بشكل واسع، يجسد فرصة استراتيجية لتعظيم الفوائد الاقتصادية.
ومع وجود استنتاج علمي أكيد، بأنه لا يوجد مصدر واحد أمثل للطاقة ولكن الأمثل هو استغلالها بتجانس وشمولية، إلا أننا نسمع دائماً من يؤيد إحداها على أخرى، وقد يكون بقصد حميد.
طاقة الصحراء
توقعت وثيقة «طاقة الصحراء 2050» تكاليف إنتاج الكهرباء لمشاريع الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن خيارات التقنيات المقترحة صنفت تقنيات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ضمن فئة واحدة. نحن نعتقد أن ذلك يستحق إعادة للنظر. ذلك لأن تقنية طاقة الرياح ناضجة عملياً، فأصبح من غير المتوقع حصول خفض كبير في تكاليفها الرأسمالية مستقبلاً. كما أنه لو أخذنا في الاعتبار أن معظم المناطق الملائمة لتوليد طاقة الرياح قد تم استغلالها مسبقاً، فإن ذلك يعني احتساب تكاليف إضافية لمواقع جديدة ذات كفاءة توليد أقل.
وهذا ما لا ينطبق على تقنيات الطاقة الشمسية، فجودة الإسقاطات الشمسية على ما يسمى «الحزام الشمسي» الذي يغطي كل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد الأفضل في العالم. كما أن التكاليف الرأسمالية لأنظمة الطاقة الشمسية الكهرضوئية وأنظمة الطاقة الشمسية المركزة آخذة في الانخفاض سريعاً، ما يعني أنه كلما ازدادت قدرات التوليد عالمياً انخفضت كلفة إنتاج وحدة الكهرباء منها.
هذا لا يعني عدم الثقة بطاقة الرياح. بل على العكس، نحن على ثقة بأن تقنيات طاقة الرياح، خصوصاً في منطقتنا، تتناسب بشكل كبير مع متطلبات تحلية المياه المالحة. فالطلب على المياه المحلاة يعتمد على الحجم لا على الوقت. وتتمتع عملية التحلية بطاقة الرياح بميزة التخزين الملازمة لها. فهي تمكننا من حصاد طاقة الرياح واستخدامها لتحلية المياه كلما هبت الرياح. وهذا بدوره لا يتطلب إدارة فاعلة لأحمال الطاقة المولدة أو تخزين الأحمال الكهربائية الإضافية كما في الطاقة الشمسية. وهو الأمر المطلوب لاستقرار شبكة الكهرباء إذا ما استُغلت طاقة الرياح لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
منظومة الطاقة الذرية والمتجددة
لقد أسندت المملكة العربية السعودية مسؤولية تطوير منظومة الطاقة الذرية والمتجددة بشكل مستدام إلى مدينة الملك عبداللـه للطاقة الذرية والمتجددة، التي ستتمكن من تحقيق ذلك، بإذن اللـه، من خلال التعاون مع شركائنا في المملكة وخارجها.
يُتوقع أن يزداد الطلب على الكهرباء في المملكة بمقدار 120 جيغاواط خلال السنوات الـعشرين المقبلة. كما أن الحاجة إلى توليد قدرات احتياطية عالية الاعتماد سيزيد من تلك التوقعات. وكما ذُكر سابقاً، فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه قطاع الكهرباء السعودي هو تعطل قدرة التوليد المركبة بنسبة 45 في المئة خلال مواسم انخفاض الطلب، وكون التبريد يشكل 50 في المئة من الطلب على الكهرباء خلال موسم الذروة.
وبالنظر إلى جميع تلك الحقائق، واستناداً إلى الحاجة إلى حلول مستدامة ومجدية اقتصادياً، فإن منظومة الطاقة المستقبلية في المملكة العربية السعودية ستستهدف انتاج 50 في المئة من القدرة المركبة للطاقة من مصادر الطاقة النووية والمتجددة، وذلك بشكل تدريجي وحتى سنة 2032، مما سيمكننا من خفض استهلاك الموارد الهيدروكربونية في كل من توليد الكهرباء وتحلية المياه المالحة وذلك بنسبة 50 في المئة خلال عشرين عاماً.
إن قدرة التوليد الإجمالية التي يستهدفها هذا المقترح هي ما يعادل 54 جيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2032، تشكلها 41 جيغاواط من مصادر الطاقة الشمسية و9 جيغاواط من مصادر طاقة الرياح و3 جيغاواط من مصادر تحويل المخلفات و1 جيغاواط من مصادر الطاقة الجوفية الحرارية.
تضمن الرؤية الملكية أن تبقى المملكة العربية السعودية لاعباً قوياً في إنتاج الطاقة وشريكاً موثوقاً في توفير الطاقة للأجيال القادمة.
*الدكتور خالد بن محمد السليمان هو نائب الرئيس للطاقة المتجددة في مدينة الملك عبداللـه للطاقة الذرية والمتجددة. وهذا مضمون كلمته التي ألقاها في مؤتمر مبادرة «ديزرتك» الذي عقد مؤخراً في برلين.
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد كانون الثاني/شباط – يناير/فبراير 2013)
عذراً التعليقات مغلقة