العواقب المميتة للزراعة

محمد التفراوتي20 يوليو 2018آخر تحديث :
العواقب المميتة للزراعة

آفاق بيئية :  ماكسويل جوميرا *، إدوارد مابايا *

أعلنت المملكة المتحدة في 3 أبريل/نيسان فرض حظر على بيع العاج، وهو “أحد أقسى عمليات الحظر في العالم”. وقد انضمت المملكة المتحدة، بفرضها قيودا على تجارة العاج، إلى بلدان أخرى – من بينها الصين والولايات المتحدة – في استخدام آليات الردع السوقية من أجل الحد من الصيد المحظور وحماية الأنواع المهددة بالانقراض. وذكر وزير البيئة البريطاني، مايكل جوف، في بيانه أن الهدف يتمثل في “حماية الأفيال من أجل الأجيال المقبلة”.

ومن المؤكد أن تلك بوادر جديرة بالإشادة تهدف إلى تحقيق هدف نبيل. بيد أن إنهاء بيع العاج وحده لن يؤدي إلى الحد من تناقص أعداد الأفيال، وذلك لأن أكبر المخاطر التي تواجه تلك الأنواع والكثير من الأنواع الأخرى هو في الواقع نشاط بشري آخر أكثر اعتيادية، ألا وهو الزراعة.

ففي جميع أنحاء العالم النامي، يعمل المزارعون باستمرار على توسيع الرقعة الزراعية، في سعي دائم لا ينتهي للحصول على تربة خصبة. وفي خضم هذه العملية، يجري تدمير موائل الأحياء البرية الحرجة بمعدل ينذر بالخطر. وقد ذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أنه إذا استمرت تلك التوجهات الحالية، فبحلول عام 2050 ستزيد الأراضي الصالحة للزراعة في جميع أنحاء العالم بنحو 70 مليون هكتارا، وسوف يُقام كثير من المزارع الجديدة على أراض هي حاليا أراضي غابات. ويكون الخطر على أشده في أمريكا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث إن النمو السكاني والطلب على الغذاء سوف يؤديان إلى الإضرار بشدة بالغابات الاستوائية بصفة خاصة.

والفقر هو السبب الرئيس وراء هذه الأزمة الإيكولوجية، إلا أن الممارسات الزراعية السيئة تؤدي إلى استدامة دورة الجوع وفقدان الموائل الطبيعية للأحياء. ففي أفريقيا، على سبيل المثال، يرتبط الانخفاض المستمر في غلة المحاصيل – التي تمثل عادةً 20% فقط من المعدل العالمي – بسوء جودة البذور وعدم توافر الأسمدة ونقص الري. ومع تناقص صحة التربة وانخفاض الناتج، لا يكون أمام العديد من المزارعين أي خيارات إلا البحث عن أراض جديدة لزراعتها.

ولحسن الحظ، توجد طريقة لإنهاء هذه الحلقة المفرغة. حيث توضح البحوث أن تحسين ممارسات وتكنولوجيا الزراعة يمكن أن يزيد من الإنتاجية الزراعية وأن يقلل في الوقت ذاته من خسارة الموائل الطبيعية وأن يحمي الحياة البرية. ويهدف هذا النهج، الذي يُسمى “التكثيف المستدام”، إلى تعزيز إنتاج المزارع الحالية باستخدام أساليب مثل الإدارة المتكاملة للمحاصيل ومكافحة الآفات بوسائل متقدمة. بل إن التكثيف المستدام، إذا طُبِّق على نطاق واسع، يمكن أن يؤدي إلى تقليل إجمالي مساحات الأراضي التي تُزرع حاليا.

وليس هذا هدفا مستحيلا، فعلى مدى خمس وعشرين سنة مضت، تمكن المزارعون في أكثر من 20 بلدا حول العالم من تحسين الأمن الغذائي مع الحفاظ على الغطاء الحرجي أو زيادته. ووفقا لإحدى الدراسات، تمكن مزارعون في بلدان نامية قاموا بزراعة بذور عالية الجودة في الفترة ما بين 1965 و2004 من تقليل الأراضي الزراعية بنحو 30 مليون هكتار، وهي مساحة تعادل تقريبا مساحة إيطاليا. وكان يمكن زيادة تلك المكاسب لو كان المزارعون أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة يمتلكون معدات حديثة ويستطيعون جمع البيانات وتحليلها بصورة أفضل، وإذا توفر لهم مزيد من التمويل.

ويرى بعض النقاد أن زيادة إنتاجية المزارع الصغيرة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، لا سيما إذا شجع ذلك المزارعين الفقراء على توسيع مساحاتهم المزروعة أملا في زيادة الأرباح. ولتجنب الوصول إلى تلك النتيجة، يجب أن تكون استراتيجيات التكثيف مصحوبة بتخطيط قوي للمحافظة على الموارد.

ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن أن نكتفي بمطالبة المزارعين في البلدان النامية بأن يتوقفوا عن استخدام الموارد غير الزراعية المجاورة لحقولهم. فكثير من الأشخاص في المجتمعات الفقيرة يعتمدون على منتجات الغابات من أجل الوقود ومواد الإنشاء، وأي سياسات حكومية تحظر استخدام تلك الموارد دون أن تقدم بدائل مناسبة سيكون مصيرها في الأغلب هو الفشل. لكن النهج الأمثل للحفاظ على البيئة في البلدان النامية هو ربط الدعم الزراعي والاقتصادي بقيود صارمة على توسع الأراضي الزراعية.

لكن الواقع بعيد عن ذلك كل البعد في الوقت الحالي. فهناك مليارات من الدولارات التي تُستثمر سنويا حول العالم من أجل معالجة التدهور البيئي والفقر؛ وكثير من أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة ترتبط بطريقة أو بأخرى بهذين الشاغلين، إلا أن معظم البرامج التي تهدف إلى معالجة تلك المشاكل تعمل بمعزل عن غيرها. وهذا خطأ، لأن الحلول المقدمة بشأن انعدام الأمن الغذائي وفقدان الموائل الطبيعية للأحياء يجب أن يكمل بعضها بعضا على نحو أفضل إذا أردنا حل أي من المشكلتين.

ولا شك أن السياسات الحسنة المقصد مثل حظر بيع العاج من شأنها أن تؤدي إلى تقليل الآثار البيئية للأنشطة البشرية. لكن الزراعة، في الوقت الراهن، وهي المسئول الأول عن تدمير صحة العديد من الأنواع، لا تحظى بالانتباه الذي تستحقه من واضعي السياسات. وإلى أن يتغير ذلك، فإن الاستراتيجيات الحكومية لحماية الحياة البرية “من أجل الأجيال القادمة” لن تفي على الأرجح بالغرض.

بروجيكت سنديكيت

*ماكسويل غوميرا ، زميل أسبن نيو فويسيس 2018 ، هو مدير فرع خدمات التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

*إدوارد مبايا ، زميل أسبن نيو فويسز 2016 ، هو باحث كبير في جامعة كورنيل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!