عولمة ثورة الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية

محمد التفراوتي5 مارس 2020آخر تحديث :
عولمة ثورة الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية
آفاق بيئية : دومينيك روتينجر*
يعد التعليم الآلي والبيانات الضخمة بجعل عملية اكتشاف وتطبيق علاجات السرطان الجديدة أسرع وأكثر
 فعالية من أي وقت مضى. ولكن لتحقيق إمكانات هذه التقنيات ، سوف نحتاج إلى سياسات واقعية 
وموحدة عالمياً تحكم جمع واستخدام البيانات الطبية



GUIYANG, CHINA – MAY 26: A 5G first-aid station is seen on the opening day of China International Big Data Industry Expo 2019 at Guiyang International Conference and Exhibition Center on May 26, 2019 in Guiyang, Guizhou Province of China. The China International Big Data Industry Expo 2019, also known as 2019 Big Data Expo, is held on May 26-29 in Guiyang. (Photo by Visual China Group via Getty Images/Visual China Group via Getty Images)

 

إننا ندخل فترة تحول في العلوم الطبية، حيث تقترن تقنيات البحث التقليدية مع قوة الحوسبة الضخمة وثروة من البيانات الجديدة. وفي الآونة الأخيرة، أعلنت غوغل أنها تطور نظام ذكاء اصطناعي، قادر على التفوق على أخصائيي الأشعة في الكشف عن سرطان الثدي. وليس هذا إلا آخر الأمثلة، الذي يوضح كيف يقودنا التعلّم الآلي، والبيانات الضخمة، نحو تشخيصات، وعلاجات، واكتشافات طبية جديدة. ومع ذلك، من أجل تحقيق الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، يجب علينا تطوير نهج عملي متفق عليه عالميًا، لإدارة جمع “بيانات العالم الحقيقي”، واستخدامها.

وتتضمن بيانات العالم الحقيقي أي معلومات يمكن أن تساعد في توجيه البحوث الطبية الجديدة. وكان بعض منها موجودا لفترة طويلة. فعلى سبيل المثال، استخدم الباحثون في مجال السرطان، منذ فترة طويلة، السجلات الصحية المجهولة المصدر، لاختيار المرشحين المرضى، الذين من المرجح أن يستجيبوا جيدا للعلاجات الجديدة والتجريبية. ولكن أنواع البيانات الأخرى أصبحت متوفرة في الآونة الأخيرة فقط، إلى جانب تقنية تحليلها الواسعة النطاق.

وتثير الإمكانيات الجديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتقنيات ذات الصلة، أسئلة معقدة ومثيرة للجدل، في بعض الأحيان، حول خصوصية البيانات وملكيتها. ولكن يمكننا مواجهة هذه التحديات عن طريق وضع قواعد شاملة لحماية المعلومات الشخصية. ويجب ألا يتأخر صناع السياسة حول العالم، وداخل مؤسسات الحكم العالمي في ذلك. وتتقدم القوى العلمية الطبية بالفعل بمبادرات البيانات الواقعية في الولايات المتحدة، حيث يوفر التوافر الواسع لبيانات المرضى مجهولة المصدر، موجة جديدة من الابتكار.

ويستعد المعهد الوطني للسرطان، على سبيل المثال، لإطلاق مبادرة بيانات سرطان الأطفال، وهو مشروع طموح مدته عشر سنوات، وسيجمع البيانات من كل طفل وشاب مصاب بالسرطان، في البلاد، من أجل إيجاد أهداف وآليات علاج جديدة. وكذلك، أطلقت مؤسسة سوزان جي كومن مبادرة “البيانات الضخمة لسرطان الثدي”، والتي تتضمن مشروعًا يستخدم تحليل الخوارزميات لاستنتاج العمليات البيولوجية، في بعض أصعب أنواع سرطان الثدي.

ولكن نظرًا لأن هذه المبادرات تستخدم البيانات التي تُجمع بدقة من مجموعات المرضى في الولايات المتحدة، فإن قابليتها للتطبيق محدودة، لا سيما على المستوى العالمي. إذ تتباين البيولوجيا البشرية على نطاق واسع داخل السكان وفيما بينهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاختلافات الوراثية التي، بحد ذاتها، تتأثر بالعوامل البيئية، وغيرها من الاتجاهات طويلة الأجل مثل العزلة، والهجرة، وعبء المرض التاريخي وما شابه. وليس فقر الدم المنجلي، والأمراض الوراثية الأشكنازية، والتليف الكيسي، سوى ثلاثة أمثلة على العديد من الأمراض ذات الارتباطات السكانية المحددة.

وتعني هذه الاختلافات في علم وظائف الأعضاء الفردية، أن ما يصلح لمجموعة فرعية واحدة، قد لا يصلح لمجموعة أخرى، وأننا يجب أن نبسط شبكة البحث على بيانات العالم الحقيقي على أوسع نطاق ممكن. ومع ذلك، تخلفت أوروبا عن الولايات المتحدة كثيرا، في إتاحة بيانات حقيقية مجهولة المصدر.

وينبع هذا الإخفاق جزئيًا، من مخاوف مفهومة حول خصوصية المريض، وملكية البيانات. ولمعالجة هذه المخاوف، يجب أن نتخذ كل الاحتياطات اللازمة للحماية من إساءة استخدام البيانات، عن طريق وضع قواعد عالمية النطاق. وتحتاج السلطات الصحية إلى توحيد التوجيهات بشأن جمع البيانات في العالم الحقيقي واستخدامها، وكذلك وضع معايير دولية لتبادل البحوث الجينية. وتحقيقًا لهذه الغاية، تعمل شركات الأدوية، وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين في قطاع الرعاية الصحية، مع الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي، وإدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية، وغيرها من الهيئات الصحية في جميع أنحاء العالم، لتحديد كيفية استخدام الباحثين للبيانات بأمان، مع الحفاظ على القيم الأساسية لخصوصية المريض، ومساءلة مقدمي الرعاية الصحية.

وتُقدم الاختراقات الحديثة في مجال البحوث الطبية تلميحًا مثيرًا لما هو ممكن، إذا مزجنا السياسة بالطريقة الصحيحة. إذ منذ الحصول على قاعدة بيانات تحتوي على بيانات مجهولة المصدر لـ2.2 مليون مريض بالسرطان، طور الباحثون في روش، نظامًا لتسجيل النتائج، لغرض التنبؤ بكيفية استجابة المرضى لخيارات علاج السرطان المختلفة، بناءً على مجموعة من العوامل. وتمكننا مبادرة أخرى من التنبؤ بردود الفعل السلبية المحتملة، للعلاج المناعي بين المرضى الذين يعانون من اضطرابات المناعة الذاتية. وهذا تطور ملحوظ في هذا المجال،نظرا إلى أن المرضى الذين يعانون من هذه التفاعلات، يمثلون نسبة ضئيلة من الموضوعات في التجارب السريرية للعلاجات الجديدة.

وعن طريق نشر تقنيات جديدة، والاستفادة من أكبر قواعد بيانات الجينوم المتعلقة بالسرطان في العالم، يمكننا تسريع عملية تطوير العلاجات الشخصية، وتلبية الاحتياجات الفردية للأشخاص الذين يعانون من أمراض تهدد حياتهم. ولكن إلى جانب الفوائد العظيمة لبيانات العالم الحقيقي، تطرح هذه الأخيرة أسئلة معقدة حول كيفية مشاركة البيانات الشخصية. إن مجرد تجاهلنا لهذه القضايا ليس منطقيا ولا مسؤولاً، لأن ذلك قد يعني التخلي عن التقدم الأعظم، الذي تحقق في تاريخ الطب.

ويجب أن يتَّحد المجتمع العالمي لمواجهة هذه التحديات السياسية. وعندها فقط، سنكون قادرين على تحقيق الاستفادة الكاملة من الثورة التكنولوجية في مجال الرعاية الصحية.

*دومينيك روتينجر هو الرئيس العالمي لأورام التطور السريري المبكر في روش

ترجمة:   نعيمة أبروش

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!