احتجاجات على أزمة المناخ في منتصف الشهر

محمد التفراوتي15 مارس 2019آخر تحديث :
احتجاجات على أزمة المناخ في منتصف الشهر

آفاق بيئية : إلوي لوران

في منتصف شهر مارس (15 مارس/ أذار)، اليوم الذي كان من المفترض أن يسوي فيه الرومان القدامى ديونهم، سيَشُن الشباب في 60 بلدا حول العالم إضرابا عن الدراسة، من أجل الضغط على قادة العالم للاتخاذ تدابير عاجلة بشأن تغير المناخ. ومن المؤسف أن الأجيال الشابة مجبرة على التعبير عن رفضها للظلم الذي سيعانون منه جراء خيارات اتخذها غيرهم؛ لكن في نفس الوقت، من المُطَمئِن جدا أن نرى قوتهم وشغفهم، وهم يحاولون تغيير مسار التاريخ.

إن القلق بشأن الظلم المتوارث بين الأجيال بسبب أزمة المناخ يشبه القلق بشأن اللامساواة في الوقت الحاضر. وعلى خطى البابا فرانسيس أسيسي (الملقب بالقديس الشفيع لعلم البيئة في عام 1979)، قال البابا فرنسيس في رسالته في ماي /أذار 2015، أننا “لا نواجه أزمتين منفصلتين، واحدة بيئية والأخرى اجتماعية، بل نواجه أزمة واحدة معقدة اجتماعية وبيئية.”

وهذا يعني أن اتخاذ الخطوات الضرورية نحو اقتصاد مستدام بيئيا، لا يمكنه تجاهل التحديات التي يواجهها العديد من الناس اليوم. وتماما كما ترتبط مشاكل تغير المناخ بمشاكل عدم المساواة، ترتبط حلولهما أيضا. ومن خلال اعتماد الطاقة المتجددة، على سبيل المثال، يمكننا تحقيق مكاسب صحية كثيرة، وخلق فرص الشغل، وتحسين المؤشرات الأخرى للرفاهية الاجتماعية. وفي الواقع، وفقا للجنة لانسيت، “قد يكون التصدي لتغير المناخ أعظم فرصة صحية عالمية للقرن ال21.”

وكما  تدرك الأجيال الشابة، فأنظمتنا الاقتصادية لم يعد بإمكانها الاعتماد على منطق المقايضات، ويجب أن تتبع الآن منطق التعاون البيئي- الاجتماعي. ومن حسن الحظ، يزداد عدد صناع القرار الذين أصبحوا يدركون هذا الأمر.

لنأخذ على سبيل المثال الاقتراحات في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل “صفقة جديدة خضراء “، التي تهدف إلى معالجة “اللامساواة المنهجية” التي تتسبب في الأزمات البيئية الراهنة، والتي تتحمل أعباءها “المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ والأكثر هشاشة.” إن الصعوبات والمصائب التي تعاني تلك المجتمعات– بما في ذلك الأطفال، والفقراء، والعديد من الأقليات العرقية- ستواجهنا إذا استمرينا في إلحاق الكثير من الدمار ببيئتنا دون وعي.

أو لنأخذ على سبيل المثال رسالة مفتوحة وقعها مؤخرا العديد من الخبراء الاقتصاديين البارزين، الذين يدعون إلى  التخلي عن ” عائدات الكاربون” من الصنف الذي اقترحه جيمس كي. بويس.  فمن المؤكد أن مثل هذه السياسة ستساعد على تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة. لكنها ستنجح فقط إذا تضمنت تدابيرا تضمن أن المجتمعات الأكثر هشاشة لن تتضرر بسبب سعر الكاربون. ومن المحتمل أن تكون الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا قد دقت ناقوس الخطر تنذر به صناع القرار الذين اتخذوا هذا المسار. يجب أن تكون السياسات البيئية سياسات اجتماعية أيضا.

وهناك بلد يحقق تقدما ملحوظا نحو تعاون بيئي اجتماعي، ألا وهو الصين. فالآن، بعد أن بدأت تظهر نتائج حرب الحكومة ضد التلوث، يتمتع الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد بفوائد هواء أكثر جودة. ووفقا لفهرس حياة بهواء ذي جودة، الذي أصدره مؤخرا معهد سياسة الطاقة، يمكن للتعرض المستدام للمواد الحبيبية في الهواء أن يقلص من أمد الحياة بالنسبة للمجتمعات المتضررة. إلا أن الحد من التلوث على المستوى المحلي، خاصة في المناطق الحضرية، لا يحسن فقط من رفاهية المواطنين، بل أيضا يقلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون على المستوى العالمي.

ويدعم صناع القرار في أوروبا اقتراحات ملموسة لتعزيز أهداف المساواة المستدامة أيضا. ويعترف تقرير من التحالف التدرجي للاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، على سبيل المثال، أن “عدم المساواة قضية بيئية كما هو الشأن بالنسبة للتدهور البيئي الذي يعد قضية اجتماعية.” وبناء على هذا، يقترح التقرير سلسلة من النصائح من أجل تقليص انبعاثات في القطاعات الرئيسة مثل الصناعات الثقيلة والزراعة وفي نفس الوقت دعم المجتمعات التي ستكون الأكثر تضررا.

وستحقق كل السياسات التي وضعت بخصوص التعاون البيئي- الاجتماعي، بحكم تعريفها، “مكاسبا مشتركة” فيما يتعلق بعدم المساواة وتغير المناخ. لكن، الأهم أيضا، هو أنها ستحقق مكاسبا للإنسانية في الحاضر وفي المستقبل.

والواقع هو أن المجتمعات ستكون أكثر عدلا إذا كانت أكثر استدامة، وستكون أكثر استدامة إذا كانت أكثر عدلا. وستكون المجتمعات التي أضعفت اجتماعيا واقتصاديا بسبب عدم المساواة أقل استعدادا لمواجهة الصدمات البيئية الناتجة عن تغير المناخ. وبما أن الظروف البيئية مستمرة في التدهور، علينا أن نتوقع انفجارا في الظلم.

وتساءل غراوتشو ماركس “لماذا علي الاهتمام بالأجيال القادمة، ماذا فعلوا لأجلي؟” وفي 15 مارس/أذار، ستذكرنا الأجيال الشابة حول العالم أن هذا السؤال مثير للنقاش.  وبينما تزداد ديوننا اتجاه أجيال المستقبل، لا يطلب الشباب إلا مساعدتهم بمساعدة أنفسنا.

المصدر : بروجيكت سنديكيت

* إلوي لوران

إلوي لوران كبير زملاء البحث في مركز العلوم للعلوم الاقتصادية في باريس (OFCE) ، وأستاذ بكلية الإدارة والابتكار في قسم العلوم ، وأستاذ زائر بجامعة ستانفورد. وهو مؤلف الكتاب القادم “الاقتصاد البيئي الجديد – الاستدامة والعدالة”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!