آفاق بيئية :مراكش
بقلم مارثا روخاس أوريغو و باتريشيا اسبينوزا
تمتص الأراضي الرطبة والغابات والمحيطات الكربون وتخزنه، مما يجعلها من الأصول الحيوية البالغة الأهمية للدول التي تسعى إلى تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كيف يمكننا إذن استخدام هذا الأصل بأكبر قدر من الفعالية؟
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أبرمت 196 دولة اتفاق باريس، الذي دخل حيز التنفيذ في وقت سابق من هذا الشهر. والآن، يجتمع الموقعون على الاتفاق في مراكش في المغرب، لحضور مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ. وتركز العديد من فعاليات المؤتمر بشكل خاص على الكيفية التي تستطيع بها الدول استخدام الأنظمة الطبيعية لتلبية أهداف الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
على الرغم من جسامة التحدي المتمثل في تغير المناخ، لا ينبغي لنا أن نَغفَل عن الفرصة الهائلة التي يوفرها لتسريع عجلة التنمية المستدامة وضمان مستقبل أفضل لكل سكان كوكب الأرض. فبموجب اتفاق باريس، التزمت الحكومات بالحد من انبعاثاتها الكربونية بشكل كبير، من أجل منع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي من تجاوز درجتين مئويتين. وقد قدمت الغالبية العظمى من الدول الموقعة على الاتفاق خطط عمل وطنية لتحقيق هذا الهدف، وسوف تصبح هذه الخطط أكثر طموحا بمرور الوقت.
تشمل هذه المساهمات المحددة على المستوى الوطني أهداف الطاقة المتجددة واقتراحات بشأن النقل المستدام، وكفاءة استخدام الطاقة، والتعليم. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي للدول أن تفكر في تبني السياسات الضرورية لإدارة رأس المال الطبيعي على نحو أفضل. ويدرك اتفاق باريس ذاته أهمية الدور الذي تلعبه النظم الإيكولوجية الطبيعية في الحد من كمية الكربون في الغلاف الجوي، ولا ينبغي للحكومات أن تهمل مثل هذه الأدوات القوية.
وسوف يكون لزاما على الحكومات أن تتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على النظم الإيكولوجية القائمة ــ واستعادة وتوسيع الأنظمة الإيكولوجية المتدهورة ــ بأساليب تحقق مصالح البشر. ويصدق هذا بشكل خاص على الأراضي الرطبة، والتي تشمل كل مساحات اليابسة ــ مثل البحيرات، والسهول الفيضية، والأرضي الخث (المستنقعات)، وغابات المانجروف، والشعاب المرجانية ــ المغطاة بالمياه، سواء موسميا أو بشكل دائم.
وتشكل أراضي الخث أهمية خاصة. فبرغم أنها تغطي 3% فقط من إجمالي مساحة العالم، فإنها تخزن من الكربون ضعف ما تخزنه كل الغابات مجتمعة. تتألف تربة الخث من كربون ــ في هيئة مواد نباتية متحللة ــ تراكَم لآلاف السنين؛ وعندما يجري تصريف الأراضي الخث أو إحراقها، ينطلق الكربون إلى الغلاف الجوي. ويعادل ما يُطلَق إلى الغلاف الجوي من الكربون نتيجة لتصريف أو تجفيف الأراضي الخث مِثلي ما تُطلِقه إلى الغلاف الجوي من الكربون صناعة الطيران بالكامل.
في عام 2015، استعرت النيران في الأراضي الخث المزروعة بالغابات في إندونيسيا، مما أثار المخاوف في مختلف أنحاء العالم حول مقدار الكربون الذي أطلق نتيجة لذلك إلى الغلاف الجوي، ناهيك عن التأثيرات الصحية البعيدة المدى. تشير تقديرات حكومة إندونيسيا إلى أن حرائق الأراضي الخث وإزالة الغابات تشكل وحدها أكثر من 60% من إجمالي الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي التي تطلقها البلاد.
ومن الممكن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بشكل كبير عن طريق الحفاظ على الأراضي الخث واستعادتها. ولهذا السبب، أعلن مجلس وزراء دول الشمال في عام 2015 التزامه بالحفاظ على الأراضي الخث في المنطقة. لقد فقدت دول الشمال ما يقرب من نصف أراضي الخث لديها، ويساهم هذا التدهور البيئي بنحو 25% من إجمالي انبعاثاتها الكربونية.
دخل اتفاق باريس حيز التنفيذ بالكامل في أقل من عام. ويشير هذا إلى زخم عالمي لاتخاذ تدابير ملموسة لمعالجة أسباب تغير المناخ، فضلا عن التأثيرات المترتبة عليه، مثل الفيضانات الكارثية، ونقص المياه، والجفاف الذي يبتلي بالفعل العديد من البلدان.
الواقع أن حس الاستعجال هذا ليس مستغربا. فوفقا للجنة الأمم المتحدة المعنية بالمياه، ترتبط بالمياه 90% من المخاطر الطبيعية ، وسوف تتزايد وتيرة وشِدة هذه المخاطر مع تفاقم تغير المناخ. ولكن الأنظمة الطبيعية من الممكن أن تخفف من هذه المخاطر: فالأراضي الخث تعمل عمل الإسفنج الذي يحد من قوة الفيضانات ويؤخر الجفاف؛ وتعمل غابات المانجروف والمستنقعات المالحة، والشعاب المرجانية، عمل الحواجز التي تحمي من العواصف. وما تفعله الأراضي الرطبة والمحيطات والغابات أعظم كثيرا من مجرد امتصاص وتخزين الكربون؛ فهي توفر أيضا المياه العذبة، وهي مصدر غذاء لما يقرب من ثلاثة مليارات من البشر.
إن دول العالم لديها منصة جاهزة يمكن استخدامها لتعزيز جهود الحفاظ على الأراضي الرطبة في المستقبل. وتُعَد اتفاقية راسمار بشأن الأراضي الرطبة، وهي معاهدة دولية تعهدت بموجبها 169 دولة بالحفاظ على استدامة أراضيها الرطبة، أداة مثالية لمساعدة دول العالم في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة لعام 2030.
يتلخص هدف اتفاق باريس في الأمد البعيد في تحقيق الحياد المناخي ــ صافي انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي صِفر ــ في النصف الثاني من هذا القرن. والحياد المناخي ضروري لإبقاء الانحباس الحراري عندم مستوى أقل من درجتين مئويتين؛ ولتحقيق الحياد المناخي يتعين علينا أن نقلل من الانبعاثات إلى الحد الذي تصبح عنده الطبيعة قادرة على امتصاصها بالكامل وبسهولة. كانت هذه هي الدورة الطبيعية لملايين من السنين قبل أن يبدأ تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية.
لن يتحقق الحياد المناخي إلا من خلال الإرادة السياسية، والسياسات الإبداعية، والتكنولوجيات الخضراء الجديدة، ومصادر الطاقة النظيفة، فضلا عن تحول يعادل تريليونات الدولارات في الاستثمار نحو البنية الأساسية والقطاعات الاقتصادية المستدامة. وبالإضافة إلى هذا، يتطلب نجاح هذه التدابير الاستثمار الفعّال من حيث التكلفة في جهود الحفاظ على الطبيعة وتوسيع رأس المال الطبيعي. والأنظمة القائمة على الطبيعة مثل الأراضي الرطبة والغابات هي وحدها القادرة حقا على ضمان النجاح ــ ومستقبل نظيف ومزدهر.
مارثا روخاس أوريغو : الأمين العام لاتفاقية رامسار للأراضي الرطبة.
باتريشيا اسبينوزا : الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ترجمة: إبراهيم محمد علي