موقع وليلي ، مجموعة أثرية رائعة بالمغرب ، يستمد شموخ مبانيه من حقبة زمنية سحيقة . يبعد عن مدينة مولاي إدريس زرهون بثلاثة كيلومترات ، و30 كيلومترا شمال مدينة مكناس ، و60 كلم غرب مدينة فاس . يمتد عند سفح جبل زرهون على مساحة 42 هكتارًا ، فوق هضبة متوسطة ارتفاعها حوالي 400 متر . يعود أصل تسمية وليلي أو ” فُولِيبِّيلِيس ” ( اسمها اللاتيني ) ، حسب المؤرخين ، إلى كونه إسمًا أمازيغيا مشتقا من ” أليلي ” ، واختلف في معنى ” أليلي ” ، فذهب بعضهم إلى أنه زهر أو ورد شجر الغار ، والغَارُ شجرٌ بَرِّيٌّ ينبت في السواحل والجبال الساحلية ، دائم الخضرة يصلُح للتزيين . وفُسِّرَ كذلك بأنه نوع من الزهور التي تحمل تسمية « الدفلى الوردية » وهو نبات ينمو على ضفاف النهر .
تدل آثار الموقع على تعاقب عدة حضارات خلال عشرة قرون، من عصور ما قبل التاريخ إلى العهد الإسلامي ، على ثروة تاريخية تشهد على رُقِيِّ حضارة المدينة الرومانية التي عمرت قرونًا طويلة في المنطقة ، ابتداء من القرن الثالث قبل الميلاد إلى حين قيام دولة الأدارسة سنة 788 بعد الميلاد .
يبدو الموقع جاثما بجلال يُطِلُّ على التلة المقابلة لمدينة مولاي إدريس زرهون أول مدينة إسلامية في شمال إفريقيا التي جعلها مؤسس الدولة الإدريسية ، إدريس الأول ( الأكبر ) ، عاصمة له .
كانت مدينة وليلي عاصمة « موريتانيا الطنجية » ، الاسم القديم للمغرب ، تتميز بموارد طبيعية وزراعية مهمة ، فضلا عن مواد البناء التي توفرها محاجر جبل زرهون ، ووفرة مياه نهري الخمان وفرطاسة .. تمكن الرومان من استيطانها خلال احتلالهم لشمال إفريقيا سنة 39 ميلادية وقيام الإمبراطور « كاليجولا » بقتل « بتوليمي » ابن الملك الأمازيغي « يوبا الثاني » .
ويكشف الموقع عن أضخم مشهد فني بديع يضم الموزايك والفسيفساء وتماثيل الرخام ومئات الحفريات واللوحات الفنية والأعمدة الأثرية المنقوشة بأحرف رومانية في شكل رَاقٍ وجميلٍ ، تعكس الثقافات الرومانية وثقافة السكان الأصليين .
وتضم مدينة وليلي عدة بنايات ومرافق عمومية من حمامات ودكاكين ومخابز ومعاصر وكذا معبد « الكابتول » المخصص للثالوث الإلهي : زحل (ساتورن) وجينون ومنيرفا . كما تظهر الآثار كذلك مطاحن الحبوب ومعاصر الزيتون ، والأقواس كقوس النصر الذي يحمل اسم القيصر الإمبراطور “كاراكالا” والذي أعيد ترميمه في سنة 1930 م و1934 م بالاعتماد على وثائق قديمة تعود إلى سنة 1821 م . وتبدو بقايا سور دفاعي له ثمانية أبواب وأبراج للمراقبة ، يمتد على مسافة كيلومترين تقريباً ، شيده الإمبراطور “مارك أوريل ” في سنة 168 ـ 169 م .
وتبرز الحفريات الروح المبدعة للذين عاشوا في الموقع عبر العصور، حيث تبين الآثار الصامدة أن وليلي تحوي عدة أحياء سكنية كالحي الشمالي الشرقي والذي يضم كُلاًّ من منزل ” فينوس ” المزين بنقوش ورسوم فريدة ، ومنزل أعمال ” هرقل ” و قصر” كورديان ” ، وكذا الحي الجنوبي الذي يضم منزل ” أورفي ” . ويطغى رسم « السمكة » على عموم منازل مدينة وليلي فضلا عن رسوم الملوك والملكات والفرسان ..
ويعد قصر ” كورديانوس ” أضخم بناية في الموقع تبلغ مساحته حوالي 4488 متر مربع ، أعيد بناؤه في عهد الإمبراطور ” كورديانوس الثالث ” ما بين 238 و244 بعد الميلاد .
ينشر بالتزامن مع مجلة البيئة والتنمية
للإطلاع على المقال بصيغة pdf إضغط هنا