عبدالهادي النجار، حمص
على رغم مؤهّلاتها المتواضعة، إلا أن «واسطتها» وحضورها المقبول نسبيّاً جعلاها في غضون بضعة أيام من توظيفها مقدِّمةً لنشرة الأخبار في المحطّة الفضائيّة الرسميّة لبلادها. وفي محاولةٍ لتجنب هفواتها المتكرّرة خلال البثّ المباشر، بذل فريق الإعداد كامل جهده لتظهر النشرة بالشكل اللائق، حتى أن المدقق اللغوي للنص وعلى غير عادته وضع حركات التشكيل على كل حرف في كل كلمة، من دون أن ينسى إدراج علامات التنقيط وضبْط كتابة الأعداد نصّاً وتشكيلاً.
ابتدأت النشرة، ومع أول جملة ارتجلت المذيعة قائلةً: «أعزائي المشاهدين، طيّب اللـه ثراكم، وإليكم نشرة الأخبار». ثم التفتت بثقة نحو زميلها في تقديم النشرة، غير مدركة أن هذه التحية تُقال للأموات تحت التراب، فاستغربت لرؤيته يحاول كتم ضحكته على الهواء، بينما كان صوت المخرج يصل إلى مسامعها وهو يصرخ بمساعديه: «قتلَت المشاهدين! يرحمني ويرحمكم اللـه!»
حادثة القتل هذه لم تكن الأولى التي يرتكبها العاملون في هذه المحطّة. ففي منتصف عام 2005 تناولت وسائل الإعلام العالمية خبر عودة مجموعة مهاجرة مكوّنة من خمسة طيور نادرة شاء حظها العاثر أن تعشّش على أرض البلاد التي تمثلها هذه المحطّة. وتحت ضغط فرادة هذا الحدث قرّرت إدارة المحطّة تكليف فريق من العاملين لديها بإعداد فيلم وثائقي عن هذه الطيور.
انطلق الفريق بتجهيزاته المتواضعة إلى مكان التعشيش، مُمنيّاً النفس بإعداد فيلم وثائقي يضاهي أفلام ناشيونال جيوغرافيك. إلا أن هذه الآمال انهارت مع رؤيتهم عشّين فقط على جرف جبلي عال يتعذر الوصول إليه.
نظراً لقصر مدّة المهمة وقلّة الخبرة، حاول الفريق أن يقترب بشكلٍ فجٍّ من أحد الأعشاش الذي احتوى على ثلاثة فـراخ من أصل خمسة فقست ذاك العام. فكانت النتيجة أن فزع الأبوان وهجرا العشّ تماماً، مما تسبّب فعليّاً في انقراض 30 في المئة من مجموع هذه الطيور على مستوى العالم!
حادثة القتل الأدبي في بداية نشرة الأخبار لا ترقى بحال من الأحوال إلى فداحة حادثة القتل التي طالت الطيور، والتي تطرح إشكاليّةً كبيرةً تعاني منها معظم وسائل الإعلام العربي، ألا وهي غياب الإشراف العلمي الحقيقي على المحتوى الذي يتم تقديمه. والهفوات الأدبية التي تحاول وسائل الإعلام تفاديها من خلال تكليف مدقّق لغوي تصبح مسألة تافهة أمام الأخطاء العلمية في المحتوى، إذ ليس من المقبول تقديم معلومات خاطئة في قالب لغوي سليم.
لا يظنن البعض أن الأخطاء العلمية حكرٌ على وسائل الإعلام العربي المحدودة الإمكانات والخبرات. ففي الأيّام الماضية، وعلى إحدى أكثر القنوات الفضائيّة احترافاً في العالم العربي، تم عرض حلقة من البرنامج المتميز «خواطر» تناولت إدارة النفايات في عدد من دول العالم والجهود التشاركية التي تبذلها المجتمعات في أعمال الجمع والتدوير واسترداد الطاقة والتحويل إلى سماد.
النفايات مشكلة عالمية تتم إدارتها بطرق متعددة، بل مبدعة في بعض البلدان. والأهم من ذلك أنها مكلفة أيضاً، حيث قد تتراوح كلفة الطن الواحد ما بين جمع واسترجاع بشكل سليم بين 250 و400 دولار. وبالتالي فإن تعدد طرق المعالجة لا يمكن تفسيره بأيّ حال من الأحوال على أن «القمامة ثروة … ذهب … بترول» كما قال مقدم البرنامج، حتى أنني ظننت لوهلة أنه سيقف هاتفاً: «قمامة العرب للعرب!»
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد أيلول/سبتمبر 2013)