قمة بليم (COP30): بين تراجع الطموحات وتصاعد النداءات لإنقاذ اتفاق باريس

محمد التفراوتيمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
قمة بليم (COP30): بين تراجع الطموحات وتصاعد النداءات لإنقاذ اتفاق باريس

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في مدينة بليم البرازيلية، عند بوابة الأمازون، يتجدد الموعد مع التاريخ البيئي. قمة المناخ الثلاثون للأمم المتحدة تأتي هذه السنة في ظرف دولي مأزوم، حيث يتراجع الالتزام السياسي والمالي للدول الصناعية، وتتفاقم آثار الاحترار المناخي بوتيرة أسرع مما تنبأت به السيناريوهات العلمية.

عقد من “اتفاق باريس”: حصيلة باهتة وآمال معلقة

بعد مرور عشر سنوات على اتفاق باريس (2015)، يفترض أن تكون الدول قد قدمت نسخة ثانية من مساهماتها الوطنية المحددة (NDCs) لخفض الانبعاثات. لكن الواقع يشي بعكس ذلك. فقط نصف الدول الأعضاء أودعت خططها، والقليل منها يتماشى فعليا مع مسار الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية.
هذا العجز لا يعكس فقط بطئ الإرادة السياسية، بل أيضا انقساما هيكليا بين شمال متردد وجنوب مثقل بالديون والضغوط التنموية.

فاتورة المناخ: من يدفع لمن؟

في قمة باكو (COP29) السابقة، اتفق على تعبئة 300 مليار دولار سنويا بحلول 2035 لدعم الدول النامية. لكن هذا الوعد لا يزال حبرا على ورق.
منظمات البيئة تنتقد بشدة آليات التمويل التي تعتمدها بعض الدول، مثل فرنسا، حيث يشكل القروض 80 في المائة من التمويلات المعلنة. وهكذا يتحول “تمويل المناخ” إلى إعادة إنتاج للديون بدل أن يكون رافعة للعدالة المناخية.
في المقابل، يطالب الجنوب العالمي بتخصيص 1300 مليار دولار سنويا كحد أدنى لتمويل التحول نحو الحياد الكربوني، في وقت تتضاعف الكوارث المناخية من فيضانات وحرائق وجفاف.

بين السيادة البيئية والسياسات المترددة

من ألمانيا التي تتراجع عن حظر السيارات الحرارية، إلى النرويج التي تشرع التنقيب في أعماق البحار، يبدو أن الاقتصادات الكبرى تعيد التموضع خلف مصالحها الاستراتيجية، غير آبهة بالإشارات الكارثية الصادرة عن الكوكب.
هذا التناقض يفقد اتفاق باريس قوته الرمزية، ويحول القمم المناخية إلى فضاء تبريري أكثر من كونه تفاوضيا. وكأن العالم يعيش “تعب المناخ”، في حين تتزايد حرارة الأرض بوتيرة قياسية.

بليم والأمازون: صوت الغابات والشعوب الأصلية

اختيار البرازيل لاحتضان القمة يبدو أنه ليس صدفة فالأمازون، رئة الكوكب، باتت في صلب رهانات المناخ.
الرئيس “لولا دا سيلفا” يسعى إلى رد الاعتبار للشعوب الأصلية التي أثبتت التجارب أنها أكثر الفاعلين حفاظا على التنوع البيولوجي.
فمن دون مشاركتهم الكاملة والمستنيرة، لن تتحقق أي أهداف حقيقية لاتفاق باريس. كما أن إدماج معارفهم التقليدية في إدارة الغابات والمياه يشكل مصدر حلول أصيلة ومبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية.

الميثان.. القنبلة الصامتة

بينما يسلط الضوء عادة على ثاني أكسيد الكربون، يبرز الميثان كغاز صامت لكنه أشد فتكا، إذ يمتلك قدرة تسخين تفوق CO₂ بثلاثين مرة.
الزراعة المكثفة، والنفط، والنفايات المفتوحة هي مصادره الأساسية، ومع ذلك ما تزال الإجراءات العالمية لمكافحته متواضعة.
ومع إعلان دول مثل نيوزيلندا تخفيف التزاماتها، يبدو أن الطريق نحو اتفاق ملزم في بليم سيكون مليئا بالعقبات.

من القمم إلى الالتزامات: أزمة التنفيذ لا النوايا

قال “لوران فابيوس”، مهندس اتفاق باريس، “المشكلة اليوم ليست في وضع الأهداف، بل في كيفية تحقيقها”.
لقد آن أوان الانتقال من الوعود إلى الفعل، من البلاغة إلى السياسات الملموسة. فالمناخ لا ينتظر إعادة التفاوض، بل ينتظر عدالة في المسؤولية، وجرأة في القرار، واستدامة في الالتزام.

قمة بليم ليست فقط اختبارا لاتفاق باريس، بل اختبارا لمصداقية النظام متعدد الأطراف بأسره.
فإذا عجزت القوى الكبرى عن تجسيد ما تعهدت به، فإن العالم سيتجه نحو “حقبة المناخ اللاممكن”، حيث تصبح التكيفات أكثر كلفة من الحلول الوقائية.
في المقابل، قد تكون هذه القمة فرصة لتجديد الثقة، بأن العدالة البيئية ممكنة حين تتقدم الأخلاق على المصالح، وتصغي الدول إلى صوت الغابات قبل ضجيج الأسواق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!