
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
قبل أيام قليلة من انطلاق قمة المناخ الثلاثين (كوب 30) التي تستضيفها البرازيل وسط غابات الأمازون، يتساءل الكاتب البيئي نجيب صعب عن مدى استعداد الدول العربية لهذا الحدث العالمي، وعن حقيقة حضور قضية المناخ على أجندة السياسة الدولية في عالم تتنازعه الأزمات والحروب.
يستهل الكاتب مقاله بصورة رمزية لافتة، إذ يرى أن قمة تعقد في قلب الأمازون، «رئة الأرض»، قد تتحول إلى كرنفال دولي جديد تغيب فيه الالتزامات الحقيقية، وتحضر فيه الشعارات والخطب أكثر من الأفعال. ومن هنا يفتح باب التساؤل:
هل المناخ ما زال أولوية؟ وأين تقف الدول العربية في خريطة المفاوضات المناخية العالمية؟
من خلال استعراضه لسلسلة تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) منذ عام 2008، يؤكد صعب أن المنطقة العربية تعد من أكثر مناطق العالم هشاشة أمام آثار تغير المناخ، بدء من ندرة المياه واتساع رقعة التصحر، وصولا إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وتدهور الأراضي الزراعية. ومع هذا الإدراك المتزايد للمخاطر، بدأت الدول العربية، كما يقول، تأخذ المفاوضات المناخية على محمل الجد بعد عقود من الغياب أو المواقف الدفاعية.
يذكر الكاتب بأن بعض المفاوضين العرب في السابق تبنوا مواقف منكرة للتغير المناخي، ليس عن جهل بالعلم، بل كرد فعل على سياسات دولية مجحفة تتجاهل مسؤوليات الدول الصناعية. إلا أن هذا الموقف تغير جذريا في السنوات الأخيرة، إذ تحول العرب من مجرد معرقلين للقرارات إلى مبادرين يقدمون مشاريع واقعية ومقترحات عملية.
ويشير صعب إلى أن دولا مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمغرب والأردن ومصر أصبحت تمتلك اليوم أجندة مناخية متقدمة، تتضمن التزامات بالحياد الكربوني، واستثمارات في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وتمويل العمل المناخي. هذه الخطوات، بحسبه، عززت من الموقف التفاوضي العربي وأعادت إليه الحضور والثقة.
وفي سياق متصل، يرى الكاتب أن المفاوضين العرب نجحوا في وقف تحميل منتجي النفط المسؤولية الأساسية عن الانبعاثات الكربونية، مذكرا بأن هؤلاء لا يصنعون الطلب بل يلبونه، وأن المسؤولية الحقيقية تقع على الدول الصناعية التي يجب أن ترشد استهلاكها.
ومع اعتراف الجميع اليوم بأن التغير المناخي حقيقة لا يمكن إنكارها، أصبح الخطاب العربي الجديد يركز على “الانتقال الطاقوي العادل”، أي ضمان تحول تدريجي لا يضر بالاقتصادات النامية ولا يقوض حقها في التنمية. فالبلدان المصدرة للوقود الأحفوري تحتاج، كما يقول، إلى وقت كاف لتمويل التحول الاقتصادي باستخدام عوائدها النفطية.
ويعقد الكاتب مقارنة لافتة مع دول نامية أخرى مثل البرازيل والأرجنتين، اللتين تواجهان صعوبات في خفض الانبعاثات بسبب اعتمادهما الكبير على إنتاج اللحوم، مصدر غاز الميثان. ويشير إلى أن هذه الدول، شأنها شأن الدول العربية، تدافع عن مبدأ “التخفيض التدريجي” بدلا من “التخلص السريع”، وهي ليست لعبة لغوية بل تعبير عن مصالح اقتصادية ومخاوف واقعية من فقدان القدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي الجديد.
في هذا الإطار، يدعو صعب إلى توحيد الموقف العربي في المفاوضات الدولية، واختيار الحلفاء بناء على المصالح المشتركة لا على الاصطفافات السياسية، مؤكدا أن التعاون الإقليمي العربي هو السبيل لتعزيز الصوت العربي في المحافل المناخية.
ويضع الكاتب عمل المناخ في سياق جيوسياسي معقد يشهد حروبا مدمرة في غزة وأوكرانيا، إلى جانب اضطرابات اقتصادية حادة بسبب الحروب التجارية والتعريفات الجمركية الأميركية. في هذا العالم المضطرب، يتساءل بقلق: هل يمكن للمناخ أن يبقى أولوية دولية؟ وأين سيجد العرب موقعهم بين القوى المتصارعة؟
وفي نقد حاد للخطاب الغربي، يرى صعب أن القادة الذين يعتلون منابر القمم المناخية يفقدون المصداقية عندما يتحدثون عن العدالة المناخية وهم يتجاهلون حقوق الإنسان وحق الدول النامية في التنمية ونقل التكنولوجيا. كما يشير إلى أن السياسات الأميركية في عهد ترامب أسهمت في إضعاف الإجماع العالمي، إذ وصلت إلى حد تهديد الدول التي تؤيد إجراءات مناخية صارمة بعقوبات تجارية، ما شكل ضربة قوية لزخم العمل المناخي.
ورغم هذا المشهد القاتم، يبرز الكاتب الجانب المضيء. فـالمناخ ما زال حاضرا بقوة في سياسات الاتحاد الأوروبي والصين، والدول العربية كذلك التي واصلت استثماراتها في الطاقة المتجددة وتنويع اقتصاداتها، إيمانا منها بأن المستقبل للاقتصاد الأخضر وليس لاقتصاد الوقود الأحفوري وحده.
ويختم نجيب صعب مقاله برؤية متفائلة مشروطة، إذ يعتبر أن الدول العربية النفطية محقة في البحث عن حلول تقنية متقدمة لتحقيق الحياد الكربوني، عبر تحسين كفاءة الطاقة، واحتجاز الكربون وتخزينه، واستخدام التكنولوجيا النظيفة للوقود الأحفوري.
ويرى أن تحقيق الحياد الكربوني ضرورة عالمية مشتركة، وعلى المنطقة العربية أن تكون جزء من هذا التحول، لا متفرجة عليه.
ويثني على المسار الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في تنويع الاقتصاد والاستثمار في الطاقة المتجددة، وعلى جهود المغرب والأردن ومصر في تسريع خططها الانتقالية. ويعتبر أن هذا النهج الواقعي والمتوازن سيعزز الموقف العربي في قمة البرازيل، شرط أن تتوحد الرؤية وتحسن الدول العربية اختيار تحالفاتها المناخية.
مقال نجيب صعب مرآة نقدية للمسار العربي في مواجهة التغير المناخي. فهو يجمع بين الواقعية والالتزام، بين التحليل السياسي والبيئي، وبين التحذير والأمل، مؤكدا أن العرب، إذا عملوا كجبهة واحدة، قادرون على أن يكونوا شركاء فاعلين لا متفرجين في معركة إنقاذ الكوكب.