عاشق الأهوار

محمد التفراوتي2 يونيو 2013Last Update :
عاشق الأهوار

Photo 6

 كرس عزام علوش جهوده لإنقاذ أهوار العراق، التي فقدت 90 في المئة من نظامها الإيكولوجي تجفيفاً وحرقاً وتسميماً،

فنال جائزة غولدمان البيئية لسنة 2013

  بغداد ـ «البيئة والتنمية»

ثمة من يعتقد أن أهوار العراق هي «جنة عدن» وموقع الطوفان الكبير حيث بنى نوح سفينته. ويعتبرها علماء كثيرون مهد الحضارة. إنها مستنقعات ومناطق رطبة في جنوب العراق بين نهري دجلة والفرات، كانت في الماضي ملاذاً للأحياء المائية، تزخر بمسطحات القصب الغضة وجواميس الماء والأسود والثعالب والقضاعات. كما كانت من أهم المعابر التي تسلكها الطيور المهاجرة. وكانت الأهوار قبل نحو أربعين سنة تغطي مساحة 20 ألف كيلومتر.

 ويعيش سكان الأهوار في جزر صغيرة، ويستخدمون نوعاً من الزوارق يعرف بالمشحوف في تنقلاتهم وترحالهم. وتشير الدراسات التاريخية والأثرية الى أن الحضارة السومرية نشأت في هذه المنطقة.

 في منتصف تسعينات القرن العشرين، أقدم نظام الرئيس السابق صدام حسين على إحراق المنطقة وتجفيفها وتسميمها، للقضاء على جماعات ثارت عليه بعد غزو الكويت عام 1991 ولجأت إلى الأهوار. فتحولت «جنة عدن» إلى أحواض تراب وغبار، وهجرها أحفاد السومريين الذين سكنوها لآلاف السنين.

 في العام 2001، تنبه المجتمع الدولي الى دمار الأهوار، بعد أن نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة صوراً التقطتها الأقمار الاصطناعية أظهرت خسارة 90 في المئة من هذا النظام الإيكولوجي. واعتبر البرنامج دمار هذه المنطقة وما رافقه من نزوح عرب الأهوار «حالة طوارئ بيئية وإنسانية». وأطلق مبادرة برعاية الحكومة اليابانية لدعم التنمية المستدامة للأهوار وإحيائها من خلال استخدام تكنولوجيات سليمة بيئياً. وبدأ تنفيذ «نظام مراقبة الأهوار العراقية» لمتابعة عمليات إعادة غمر الأرض بالمياه واستعادة الغطاء النباتي المائي بطريقة منهجية وعلمية.

 عائد إلى أرض الطفولة

الوضع المزري الذي آلت إليه الأهوار استنفر البيئيين ومحبي الطبيعة. ومنهم عزام علوش، الذي أمضى في صباه أياماً كثيرة في الأهوار، مع والده الذي شغل منصب رئيس دائرة الري في المنطقة في أوائل ستينات القرن الماضي. وهو يتذكر بحنين كيف كان ينحني على جانب الزورق ليراقب الأسماك الكبيرة تتدافع كالسهام في المياه الصافية.

 هاجر علوش الى الولايات المتحدة هرباً من الاضطهاد. ونال شهادة في الهندسة المدنية، وحقق نجاحاً في مهنته، وتزوج فتاة أميركية ورزق ابنتين. وكان، من بعيد، يقرأ أنباء لا تصدق عن دمار الأهوار.

 وعند سقوط نظام صدام حسين، أدرك علوش أن وقت العودة حان لإحياء الأهوار التي عشقها في طفولته. وفي العام 2003 اتخذ القرار الصعب، فترك الحياة المريحة في كاليفورنيا وعاد الى بلاده التي مزقتها الحرب، يحدوه أمل بأن تستطيع ابنتاه يوماً رؤية المكان الذي أحبه في طفولته.

 بعدما اجتاز علوش صدمة رؤية الأهوار المجففة، قرر قبول التحدي الصعب بإحلال حماية البيئة في مقدم اهتمامات بلده المنهمك في إعادة السلام وبناء البنى التحتية. وفي العام 2004، أسس منظمة «طبيعة العراق». واستغل خبرته في الهندسة المائية لمسح الأهوار ووضع خطة لإحيائها. وأجرى اتصالات بوزارتي البيئة والموارد المائية لتوعية المسؤولين الحكوميين بالفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية لإحياء الأهوار.

وعلى رغم العقبات، عادت الأهوار إلى الانتعاش، وعادت المياه تغمر الآن نحو نصف مساحتها الأصلية، وبدأ «السومريون» يستعيدون حياتهم السابقة. وتقرر تحويل الأهوار المستعادة إلى أول متنزه وطني في البلاد سنة 2013.

 وقد حددت منظمة طبيعة العراق أكثر من 300 منطقة للحماية، مع هدف أسمى هو حماية 10 في المئة من الأراضي العراقية تحت مسمى «متنزهات وطنية». لكن هذه الجهود تواجه الكثير من العقبات السياسية، إضافة إلى وجود 25 مليون لغم أرضي مزروعة على الحدود بين العراق وإيران.

 خطر السدود التركية

في نيسان (أبريل) 2013، نال علوش جائزة مؤسسة غولدمان الدولية، التي تمنح لأصحاب الريادة في حماية النظم الايكولوجية ومكافحة مشاريع التنمية المدمرة وتشجيع السياسات البيئية الحكيمة والكفاح من أجل العدالة البيئية. وتبلغ قيمة الجائزة المادية 150 ألف دولار.

 ويرى حسن برتو، مسؤول الشؤون البيئية في فرع ما بعد النزاعات وادارة الكوارث في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن جهود ناشطين مثل علوش، الى جانب العمل الذي يقوم به البرنامج والحكومة العراقية وشركاء دوليون، تؤدي دوراً حيوياً في إحياء الأهوار، مضيفاً: «لمواجهة التحديات المستقبلية، مثل تغير المناخ وإنشاء السدود عشوائياً، من الضروري تجديد الالتزام بحل إقليمي يحمي مستجمعات المياه، لاعادة هذا النظام الإيكولوجي الهام الى سابق تألقه، وضمان استفادة المجتمعات المحلية من أهوار سليمة ومنتجة».

 ويواصل علوش جهوده في إحياء الأهوار. ويناضل الآن أيضاً ضد تهديد جديد يواجه البيئة العراقية، هو خطة محمومة لبناء 23 سداً في تركيا، تهدد بإحالة المجاري النهرية في العراق إلى قطرات. وهو يقول: «أعمل الآن على تنظيم جولة بالزوارق للفت أنظار العالم الى التهديدات الناجمة عن النزاعات المائية، وتحويل مشكلة السدود الى فرصة لإحياء الحوار بشأن حماية الموارد المائية المشتركة». ويشير الى قلق خاص من مشروع تشييد سد أليسو العملاق في تركيا، الذي «سيحول نهر دجلة العظيم الى مجرد جدول صغير ويكرس النزاعات بين الدول المجاورة».

 ويؤمن علوش بأن إحياء الأهوار سيتيح للسياح زيارتها قريباً بشكل منتظم، قائلاً: «هذا مكان ساحر حقاً. حلمي أن تصبح الأهوار قبلة أنظار السياح البيئيين، حيث تستقبلهم الفنادق العائمة ويرشدهم عرب الأهوار».

 (ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد حزيران/يونيو 2013)

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!