في ذكرى بناء السد العالي…حكايات الجد للحفيد

محمد التفراوتي13 يناير 2022آخر تحديث :
في ذكرى بناء السد العالي…حكايات الجد للحفيد

آفاق بيئية : دكتور احمد زكى ابو كنيز

نادى الجد العجوز وهو متكىء على فراشه حفيده، الذى جاءه مسرعا فدس يده فى جيبه واخرج مفتاح صغير يحتفظ به. واعطاه للحفيد وأشار له الى صندوق خشبى اسفل الكرسى الذى يجلس عليه الحفيد، و قال له افتح واعطنى ما بداخله. ففتح الصبي الصندوق واستخرج منه قدوماً صغيراً و ناوله للجد الذى احتضنه بكلتا كفتيه و قبله، و قال ستكون فى يدى هذه الايام.

استغرب الحفيد وسأل الجد عن هذا، فقال له هذا القدوم شاركت به فى بناء السد العالى. لم يدرك الصغير كثيراً مما قاله الجد  الذى هو أحد البناءين العظماء للسد العالي الذى تحل ذكرى ارساء أساسه هذا الاسبوع. و استطرد قائلا و هو ينظر بعيداً فى الافق من خلال نافذة حجرته التى تطل على النيل فى قريته الصغيرة..

منذ 62 عاماً كنت شاباً فتياً قوياً و بناءً مرموقاً شاركت فى بناء السد العالي الذى كان نقطة تحول فى حياة بلدنا مصر. فسأل الحفيد جده جدي ماهو السد العالي يا جدي؟
فاعتدل و جلس مربعا رجليه و اشار للحفيد ان اقترب و اجلسه فى مواجهته وقال له السد العالي جبل من قطع الجرانيت، وضع فى مجرى نهر النيل، ويمتد هلالياً من الغرب الى الشرق بطول 3600 متر، بارتفاع مقداره 111 متراً ,عرض قاعدته 980 مترا، وعرض قمته 40 مترا، والارتفاع 111 مترا، ويقدر حجم جسم السد بحوالى 43 مليون متر مكعب، وأمامه ستارة رأسية قاطعة للمياه تصل لعمق 210 متر أسفل قاع النيل ، نفذت عن طريق الحقن.


و للسد العالي بحيرة مساحتها حوالى 5900 كيلو متر مربع، وطول هذه البحيرة أكثر من 5000 كيلو متر منها 350 فى مصر و 150 فى السودان و متوسط عرضها 20 كيلو متر تستوعب حوالى 164 مليار متر مكعب مياه، . واردف الجد العجوز يا ولدي ايام بناء السد كانت ايام مصرية خالدة.
مصر ارادت ان تبنى السد العالي و انهت الدراسات الخاصة بالمشروع خلال سنوات قليلة و قد شارك فى الدراسات خبراء مصريون وأجانب و تم تقدير المبلغ المطلوب لاتمام المشروع بأكثر من مئتي مليون جنيه مصرى, و بحثت مصر عن ممول للمشروع فاتجهت للبنك الدولى الذي أبدى موافقة مبدئية، تراجع عنها تحت وطأة الضغوط الامريكية التى كانت تناصب مصر العداء آنذاك وبحثت مصر عن ممول آخر للسد من بين الدول الصديقة لينتهى الامر بموافقة الاتحاد السوفيتى السابق على تمويل السد و هنا تثور ثائرة العم سام و التي نجمت عن توجه مصر الى معسكر الشرق وتسبب هذا في قطيعة أمريكية طويلة الامد مع مصر بل ومؤامرات أخرى قد أحكيها لك فيما بعد.


وفى ضحى التاسع من يناير عام 1960م بدأ الحلم فى التجسد بوضع حجر اساس السد العالي و إعطاء إشارة البدء، فى احتفال مهيب بسرادق ضخم ضم المصريين إلى جانب ضيوفهم الاجانب, أما الليلة السابقة لارساء حجر الاساس او يمكننا ان نقول عنها ليلة التدشين للاحتفال العظيم، آلاف العمال ومئات المهندسين قضوا ليلتهم يحفرون ستة حفر عميقة تشبه الأنفاق فى الجبل يقع بالقرب من “خور كوندى” ثم يعيدون ملؤوها بقرابة تسعة أطنان من الديناميت. .
أما الطريق الممتد من مدينة أسوان حتى موقع السد و هو قرابة تسعة كيلو متر فطوال ليلة وضع حجر الاساس عج بعشرات الألوف من البشر الذين رفعوا الأعلام ورددوا الهتافات الحماسية فى مظاهرة وطنية كبرى للرد على الدول المعادية و التى حاولت تعطيل المشروع.

خبيئة حجر الاساس

ولانه حدث مختلف وعظيم فلابد ان تكون طقوسه مميزة ففى البناية البسيطة المقامة لوضع حجر الاساس وضع صندوق خشبى أحتوى على نسخة من القرآن الكريم و نسخة من لائحة هيئة السد العالى و بعضاً من صحف عربية نشرت فى هذا اليوم ,الى جانب ما كان فى جيب الرئيس المصرى جمال عبد الناصر وهو مبلغ 39,34 جنيهاً مصرياً ومبلغ من الدراهم المغربية وضعها العاهل المغربى الملك محمد الخامس و مبلغ أخر بالليرة السورية وضعها الرئيس السوري شكري القوتلي , اتصور انه من الافضل او اقول انني اقترح ان تستخرج هذه الخبيئة لتوضع في متحف للسد العالى.


وعند الظهيرة حان الوقت فضغط الرئيس المصري على زر أحمر وفى الحال تفجرت شحنات الديناميت التى قضى العمال ليلتهم باشراف مهندسيهم فى دفنها اسفل الجبل القريب , عندها قذف الانفجار كميات هائلة من صخوره الصلبة قُدرت باكثر من 20 ألف طن، فتتها الانفجار الذى اهتزت له جبال منطقة المشروع بأكملها؛ واحدث دوياً شديداً كاهمية الحدث، وصعدت الى سماء أسوان جراء الانفجار الضخم سحابة دخان كبرى لتعلن للعالم أجمع إشارة بدء العمل فى السد العالي، وهنا بدأت الحفارات والبولدوزرات واللوريات الضخمة الواردة من الاتحاد السوفيتي السابق فى نقل حطام الجبل المنسوف الذى سيشكل مكانه فيما بعد القناة الأمامية التى سيحول اليها مجرى مياه نهر النيل بعد قفل النهر بالسد العالي.
و هنا قال الجد لحفيده بعدها انطلقنا فى البناء وقد استخدمت هذا القدوم الذى اشتريته خصيصا لبناء السد، و لم أبن به شيئاً أخر سوى منزلنا هذا عند عودتى. و احتفظت به تخليدا للذكرى التى تمر علينا هذا الاسبوع و يحتفل بها كل المصريين عامة و نحن أهل اسوان خاصة.

يا ولدى بناء السد كان يعبر عن كرامة و استقلالية وطننا العزيز.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليقان
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • احمد زكى ابو كنيز
    احمد زكى ابو كنيز منذ 3 سنوات

    شكرا جزيلا جناب الاستاذ الدكتور حمدى هاشم وهذا بعض ما عند سيادتكم

  • د. حمدي هاشم
    د. حمدي هاشم منذ 3 سنوات

    أحسنت صاحب السعادة الدكتور “أحمد زكي أبو كنيز”، مقال متميز، والشكر المتواصل لبوابة “آفاق بيئية”، ودورها في نشر الثقافة البيئية من المغرب الشقيق. تحياتي.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!