آفاق بيئية : محمد التفراوتي
يعد المغرب من البلدان المتوسطية المتنوعة المجال البيولوجي والمناخي، بموقعه الجغرافي المتميز بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والصحراء الكبرى، واحتوائه على سلسلة جبلية يفوق ارتفاعها 1460 متراً.
وتمثل الغابات ثروة مهمة تمتد على 8 في المئة من مساحة التراب الوطني. وتصنف هذه النسبة المغرب من أفضل الدول الجنوب المتوسطية غابياً، علماً أن 91 في المئة من أراضيه جافة الى شبه جافة. ويوفر القطاع الغابي نحو 10 ملايين يوم عمل سنوياً في العالم القروي، و28 ألف وظيفة في المقاولات، و14 وظيفة في مجال التحويل، و26 ألف فرصة عمل في جمع الخشب.
وتساهم الغابة المغربية بمداخيل للسكان القرويين والجماعات المحلية تقدر بأكثر من 5 بلايين درهم سنوياً (630 مليون دولار) طريق الاستغلال المباشر وفق حقوق الانتفاع، من خشب وحطب للتدفئة ورعي للمواشي. كما تساهم بنحو 2 في المئة من الناتج الداخلي الزراعي و0,4 في المئة من الناتج الداخلي الوطني. وهذه المساهمة لا تأخذ في الاعتبار سوى قيمة الاستهلاكات المباشرة في إطار سلاسل الانتاج المنظمة للسوق الوطنية، أما اذا أخذت في الاعتبار المداخيل المباشرة للسكان المجاورين للغابات فيمكن تقديرها بنحو 10 في المئة من الناتج الداخلي الزراعي.
وتصل قيمة المواد الغابية ومشتقاتها التي يستوردها المغرب الى 5,5 بليون درهم (690 مليون دولار). وتبقى الصادرات في هذا الباب محدودة تقتصر على عجينة الورق والفلين بقيمة 1,3 بليون درهم (165 مليون دولار)، وبذلك لا تتجاوز نسبة التغطية 23 في المئة.
وتشكل الغابة ثروة اقتصادية، اذ تنتج سنوياً 600 ألف متر مكعب من خشب النشارة والصناعة بنسبة 30 في المئة من الحاجات الوطنية، و10 ملايين متر مكعب من حطب التدفئة بنسبة 30 في المئة من الحصيلة الطاقيّة، و1,5 بليون وحدة علفية سنوياً بنسبة 17 في المئة من حاجات القطيع الوطني، فضلاً عن منتجات مختلفة تتضمن 15 ألف طن من الفلين و4000 طن من العسل و850 طناً من الفطر.
لكن حجم الاستنزاف الذي يتعرض له هذا المجال الطبيعي يتفاقم باستمرار بفعل عوامل طبيعية وبشرية، كالرعي الجائر والقطع غير القانوني للأشجار والهجمات الطفيلية التي تتسبب، إضافة الى العوامل المناخية، في تطور غير عادي لبعض أجزاء هذه الغابات. وتشهد الغابة المغربية تراجعاً يبلغ نحو 31 ألف هكتار سنوياً على مستوى كثافة الأشجار (وهذه مساحة فرضية لترقيم التراجع، ولا تعني فقداناً فعلياً لمساحة الغابة).
استطلاع الغابات ومكافحة التصحر
تسعى المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر الى وضع برنامج غابي وطني، وبرنامج عمل لمكافحة التصحر، بهدف تعبئة كل الشركاء من أجل تدبير مستدام للثروات الطبيعية وحماية الدورات البيئية. كما أعدت برنامجاً لحماية التنوع البيولوجي، اذ تم تحديد 154 موقعاً ذات أهمية إيكولوجية تمتد على مساحة مليوني هكتار. وأخذت المندوبية في الاعتبار عامل التغيرات المناخية، فقامت بتتبع بيولوجي وبتأطير زماني مكاني للأنواع النباتية في المناطق الغابية، وتتبع جملة مؤشرات من أجل التدبير الافتراضي لمستوطنات الحيوان والنبات للحدّ من التدهور البيئي في ظل الاكراهات المناخية.
وتم وضع برامج عشرية مندمجة تشمل جميع الأقاليم، وتهدف أساساً الى استصلاح الغابات عبر عملية التشجير، التي قاربت أراضي تقع في سفوح الجبال والأودية، من أجل منع انجراف التربة الذي تزداد خطورته خلال موسم الأمطار. كما يتم استصلاح مناطق محمية لتشجيع السياحة البيئية.
وتفيد بعض الدراسات أن العديد من الأنواع النباتية والحيوانات البرية والمائية والطيور انقرضت أو هي في طريق الانقراض، بسبب الاستغلال المفرط والجفاف. وأدى تقلص التنوع البيولوجي والاقتصار على أنواع محددة من أصناف النباتات المزروعة الى بروز أمراض تتطلب اللجوء الى المبيدات الكيميائية التي غالباً ما تكون لها آثار سلبية على البيئة.
اتخذت عدة تدابير لحماية الثروات الطبيعية والحيوانية، مع وضع ترسانة قانونية تستهدف خصوصاً المحافظة على أصناف النباتات والطيور وحماية الغابات وتنظيم الصيد في المياه القارية والقنص البري وإحداث متنزهات وطنية. وصادقت الحكومة على 60 معاهدة بيئية دولية، خصوصاً اتفاقية حماية التنوع البيولوجي، مع إعادة تأهيل واستيطان أصناف من الحيوانات المهددة وخصوصاً غزال آدم والنعامة وأبو عدس.
ومن شأن برنامج عمل لمكافحة التصحر تهيئة الأحواض على مساحة 590 ألف هكتار، ومحاربة الترمل على مساحة 36 ألف هكتار، مع إنشاء أكثر من 30 تعاونية من أجل تدبير توافقي للمجال الحيوي في إطار مقاربة تشاركية تهدف الى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للسكان المحليين.
وحفاظاً على الأنواع الحيوانية والنباتية من الاندثار، قامت المندوبية السامية للمياه والغابات في إطار برنامجها العشري بتفعيل استراتيجية حمائية تتمثل في إنشاء عشرة متنزهات مزودة بمخططات التهيئة، و24 محمية بيولوجية، و154 موقعاً بيولوجياً وايكولوجياً، و3 محميات للمحيط الحيوي (بيوسفير).
وعمل المعهد الوطني للبحث الزراعي في مجال التنوع البيولوجي الفلاحي على تجميع واستغلال نحو 80 في المئة من الثروة الوطنية في هذا المجال، وقام بتعميم أصناف من البذور والنباتات على الفلاحين بقصد استغلالها. وأحصى حتى الآن 30 صنفاً (3402 نوعاً) من الأشجار المثمرة، غالبيتها مسنة وتتطلب التجديد، خصوصاً أشجار اللوز والتمور والحوامض والزيتون والكروم والتين والتفاح والمشمش والخوخ والفستق. كما جمع 293 صنفاً من بذورالنباتات الزراعية والزيتية والكلئية والنسيجية. ووضعت هذه المؤسسة العلمية برنامجاً للأبحاث يسعى الى التحسين الوراثي للنباتات، خصوصاً في مجال التمور والأشجار المثمرة والزيتون والحوامض والبذور الخريفية والربيعية والنباتات الكلئية.
استراتيجية وطنية لصحة الغابات
أقامت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر شراكة مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) ومديرية صحة الغابات في فرنسا، تهدف الى تحديد برنامج عمل لمواجهة معضلة تلف غابات الأرز، وتطبيق استراتيجية وطنية لمراقبة صحة الغابات على مستوى المنطقة الرائدة للأطلس المتوسط، في انتظار تعميمها على المناطق الغابية الأخرى في البلاد. فتم إطلاق برنامج يرمي الى ضمان تدبير ملائم، مع مراعاة صحة الغابات في استراتيجيات تهيئة الجسم الغابي والحفاظ عليه.
وتبين للبرنامج أن غابات أزرو أيت يوسي (منطقة للاميمونة) والغابات المجاورة تتعرض للرعي الجائر، مما يؤدي الى اختلال التوازن على مستوى الطبقات السفلى الشجرية والعشبية ويؤثر سلباً على دينامية المنظومة الغابية. كما أن التدبير المعقلن لهذه الغابات يجب أن يراعي العامل البشري، الذي يصبح في بعض المناطق أكثر خطورة على الثروة الغابية من بقية العوامل الإيكولوجية.
وتساهم ندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة في تلف أشجار الأرز، خصوصاً في المحطات القليلة الخصوبة والغابات الكثيفة الحديثة التكوين. وتزداد حدة ذبول الأشجار كلما إزدادت كثافتها. وقد مكنت الإستراتيجية الوطنية لمراقبة صحة الغابات من إقامة شبكة مراقبة ممنهجة لمناطق في الأطلس المتوسط، ستتيح الحصول على معطيات إحصائية تمثل التطورات السنوية المتعلقة بدينامية الغابات. كما أقيمت شبكة حراسة مكلفة بالمراقبة والإنذار بمجرد ظهور عارض غير طبيعي على مستوى المنظومة الغابية.