آفاق بيئية : د. حمدي هاشم
تصدت وكالة الاستخبارات المركزية ـ في منتصف السبعينيات من القرن الماضي ـ لبعض القضايا العلمية، ذات الصلة بالتغيرات في الظروف العالمية، المؤثرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة ومقتضيات ومتطلبات الأمن القومي، ومنها الدراسات المناخية والميتورولوجية. ونشرها لكتاب يروج لمجيء العصر الجليدي الجديد وتداعياته، والذي تأسس على دراستين، الأولى عن التغيرات المناخية في علاقاتها بالمشكلات التي تهم الوكالة، والثانية عن اتجاهات النمو السكاني العالمي، وتحليل مستقبلي للغذاء، والآثار السياسية في ضوء التغيرات المناخية المتوقعة. وقام قسم الجغرافية بجامعة الكويت مع الجمعية الجغرافية الكويتية، بترجمة ذلك الكتاب تحت عنوان: تقلبات المناخ العالمي مظاهرها وأبعادها الاقتصادية والسياسية (1980).
وفيه توضح صورة كوكب الأرض، خلال الخمسين مليون سنة الأخيرة، تعرض المساحات القارية في نطاقاتها المناخية المدارية، لتغيرات مناخية سريعة ومتتالية، بدأت مع زمن الميوسين (منذ حوالي 20 مليون سنة)، في العصر الجليدي الأول المهيمن على مناخ الكوكب، وتوالت بعده عصور أخرى، بشكل دوري شبه منتظم، يحتل فيها عصر الجليد نحو التسعين ألف سنة، وتتراوح الفترة الدفيئة بين كل عصرين جليديين ما بين 10 ـ 12,5 ألف سنة.
دخل كوكبنا فترة دفيئة (بين جليديتين)، بلغت ذروتها الحرارية بين عامي خمسة آلاف وثلاثة آلاف قبل الميلاد، التي تكونت فيها أغلب الصحارى الرئيسية، بصورتها الحالية، كالصحراء الكبرى وصحراء شبه الجزيرة العربية وصحراء منغوليا وغيرها. وسيتغير المناخ في الغالب بصورة درامية ومباغتة، كما توالى التحول النباتي بمناطق شمال أوروبا، من أشجار البلوط إلى أشجار الحور الباردة، وتلتها مرحلة نمو غابات الصنوبر والشربين، وانتهى الأمر بسيادة نباتات التندرا. وتم هذا خلال ما لا يجاوز المائة عام، وعليه فالتحول من الدفء إلى التجمد قد لا يستغرق أكثر من قرنين فقط.
ربط هذا السيناريو بين سيادة الظروف المناخية لحقبة زمنية وحالة العالم بين الاستقرار والاضطراب، يلخصه مرور العالم المعاصر بفترة دفء معتدلة (المناخ الأمثل) وحالة النماء الزراعي والسكاني والسياسي والصناعي، خلال العقود ما بين عامي1930،1960. بينما سبقت ذلك الاستقرار، أوضاع الاضطراب السياسي والعنف وكثرت الثورات والحروب خلال القرن التاسع عشر، الذي شهد انخفاضاً ملحوظاً في درجات الحرارة بمناطق العروض المعتدلة، وانتشار مظاهر الجفاف والقحط بمناطق العروض المدارية، علاوة على حدوث فيضانات غير متوقعة.
ومع دخول الأرض في عصر جليدي جديد، ستزول كثير من دول نصف الكرة الشمالي نتيجة تحولها إلى أراض جليدية جرداء، قريبة الشبه بتضاريس القارة القطبية الجنوبية. وهكذا ستتعرض مساحات شاسعة للجفاف الشديد، بمناطق جنوبي الصحراء الأفريقية وشرقي أمريكا الجنوبية، إلا أن المنطقة العربية بنطاق حوض البحر المتوسط ومعها تركيا وإيران ستنال حظاً أوفر، نتيجة مرورها بحالة المناخ الأمثل، بينما سيزيد معدل سقوط المطر بصحارى أفريقيا وجنوب غربي آسيا.
هذا وظهر نتيجة تزايد معدلات التلوث الصناعي في العالم سيناريو مضاد، في العقد الأخير من القرن العشرين، يتبنى نتائج دراسات ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وعليه تستمر مرحلة الدفء العالمي وذوبان الجليد وطغيان الماء على البر وتغير النطاقات المناخية وتزحزح حزام الأمراض والأوبئة في نصفي الكرة الأرضية. وهناك اختلاف كبير بين التغير المناخي بالطبقة السفلي من الغلاف الجوى للأرض والتغيرات الكونية المؤثرة في مناخ كوكب الأرض.
وأكدت دراسة روسية حديثة (2015) انخفاض عدد البقع الشمسية السوداء، المؤثرة في كمية الإشعاع الشمسي على الأرض، في مقاربة بين وضع المناخ منذ ثلاثة قرون مضت، كان قد ضرب الأرض فيها عصر جليدي مصغر، ومن المتوقع تكراره مع نهاية العقود الثلاثة القادمة.
تعقيب ثان .. جميل تتبعك للتغيرات المناخية بالارض وآثارها على طبوغرافيتها.
العصور الجليدية والمطيرة مرتبطة بمكان ووضعية القشرة الارضية نتيجة لحركتها على سطح الكرة الأرضية، فضلا عن ارتباط ذلك بتطور نشاط الإنسان على الارض .. وانظر كيف سيطرت الغابات على الحزام الصحراوى الحالى وقتما كانت قشرتها الارضية بمحازاة ما يسمى الان بخط الاستواء.. وانظر لانقشاع الجليد عن اوروبا نتيجة لنهضتها الصناعية .. انها – ببساطة -حركة قشرة أرضية وتطور نشاط بشرى.