مشاريع مخطط “المغرب الأخضر”.. تجسيد للرؤية المغربية المبتكرة للتنمية المستدامة

محمد التفراوتي24 مارس 2017آخر تحديث :
مشاريع مخطط “المغرب الأخضر”.. تجسيد للرؤية المغربية المبتكرة للتنمية المستدامة

 آفاق بيئية :  حسن هرماس 

لم تعد المكتسبات التي تحققت لفائدة القطاع الفلاحي بفضل تنزيل مخطط “المغرب الأخضر” مجرد منجزات يحق للمزارعين والقائمين على تدبير هذا النشاط الاقتصادي الحيوي بالنسبة للمغرب الاعتزاز بها ، بل أضحت هذه التجربة تشكل نموذجا للاقتداء في الخارج ، لاسيما في عدد من الدول الإفريقية. كما أصبحت محط اهتمام عدد من الهيئات الدولية ذات الصلة بالمجالين الزراعي والبيئي.

فقد فرض الاهتمام المتزايد على الصعيد الكوني بالقضايا المرتبطة بالتغذية السليمة ، وترشيد استغلال الموارد الطبيعية الحيوية ، وفي مقدمتها المياه الموجهة للأغراض الزراعية ، إلى جانب الحفاظ على المحيط البيئي في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، على الفاعلين في الحقل التنموي ، خاصة في شقه الزراعي ، ضرورة التقيد عند وضع المخططات التنموية بمجموعة من المرتكزات والثوابت التي يتأسس عليها مفهوم الاستدامة.

وتندرج ضمن هذه الرؤية الفلسفة التي تأسس عليها مخطط “المغرب الأخضر” الذي أعطيت انطلاقته سنة 2008 ، سواء في دعامته الأولى المتعلقة بالزراعة العصرية ذات القيمة المضافة العالية، أو بالنسبة لدعامته الثانية الخاصة بالفلاحة التضامنية التي تهم شريحة اجتماعية واسعة ، وتعتمد في جزء كبير منها على استغلال الموارد الطبيعية ، التي كانت إلى أمد قريب تتم بطريقة مفرطة ، وبشكل عشوائي .

وبما أن هذا الصنف الأخير من النشاط الزراعي يقود حتما إلى استنزاف الموارد الطبيعية التي أصبحت الهشاشة تشكل سمتها الرئيسية بفعل عدة عوامل من ضمنها التغيرات المناخية، فقد أطلق مخطط “المغرب الأخضر” مجموعة من المشاريع الهادفة إلى مساعدة المزارعين، خاصة في المناطق النائية وفي البوادي، على الاستمرار في ضمان قوتهم اليومي اعتمادا على الموارد الطبيعية المجالية، ولكن وفق مقاربة تقوم على الاستدامة، وتنبذ أساليب الاستغلال العشوائي التي ألحقت الضرر بقسط لا يستهان به من الموروث الوطني من الموارد الطبيعية.

وتتأسس هذه المقاربة المبتكرة على إطلاق مخطط “المغرب الأخضر” لمجموعة من المشاريع الزراعية التضامنية والمندمجة التي تراعي شروط الاستدامة، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، مع الحرص على المساهمة الفعلية للساكنة المحلية المنتفعة في تنزيل هذه المشاريع على أرض الواقع ، وذلك حتى تترسخ لديها قناعة جازمة بأن نجاح هذه المشاريع واستمرار الانتفاع منها مرهون بمدى انخراط الساكنة في استدامتها.

ومن جملة هذه المشاريع الفلاحية التضامنية المندمجة، هناك مشروع تثمين النباتات الطبية والعطرية في إقليم اشتوكة ايت باها، والذي يندرج ضمن برنامج “الاقتصاد الدائري من أجل الحفاظ على الفلاحة في علاقتها بالتنوع الإحيائي في جهة سوس ماسة” ، الممول عن طريق هبة مالية بقيمة 64ر2 مليون دولار أمريكي، مقدمة من طرف “صندوق البيئة العالمي”، حيث يجري تنفيذ هذا المشروع من طرف مجموعة من الشركاء من ضمنهم على الخصوص، البنك الدولي، ووكالة التنمية الفلاحية ، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، وغيرهم من الشركاء الآخرين.

ويقوم هذا المشروع النموذجي ، الذي وصلت نسبة تنفيذه إلى حوالي 70 في المائة، وفقا للمديرية الجهوية للفلاحة لسوس ماسة، على الحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من انجراف التربة، والاستغلال المعقلن والمستدام للنباتات الطبية والعطرية وتثمينها ، وتحسين الدخل المادي للساكنة المحلية، خاصة فئة النساء اللائي استفدن من تكوينات متعددة، وقطع الطريق عن احتكار الوسطاء للقيمة المضافة لهذه الثروة النباتية.

ولأجل هذه الغاية ، تم تشييد وحدة لتجفيف وتقطير النباتات الطبية والعطرية بكلفة مالية وصلت إلى 07ر2 مليون درهم ، وهي الوحدة التي يجري في الوقت الراهن تركيب وتجريب التجهيزات التقنية الحديثة الخاصة بها، مما سيمكن من توفير فرص شغل لحوالي 550 امرأة ينحدرن من المناطق الجبلية لمنطقة أيت باها ، فيما حددت مردودية هذه الوحدة في 1ر1 طن من هذه النباتات كل يوم.

وحسب المديرية الجهوية للفلاحة لسوس ماسة، فإن اختيار منطقة ايت باها لتنفيذ هذا المشروع لم يكن وليد الصدفة ، بل جاء نتيجة لدراسة ميدانية تحليلية مسبقة مكنت من الوقوف على قابلية هذا المجال الترابي لاستقبال هذا المشروع النموذجي الذي لا يتوقف وقعه على تثمين النباتات الطبية والعطرية، ولكن يتجاوز ذلك إلى القيام بدور حاسم في الحفاظ على التنوع الإحيائي بالمنطقة ، وحماية غطائها النباتي ، والحيلولة دون تعرض تربة المنطقة للانجراف.

وتلتقي هذه الأهداف مع الغايات المسطرة في إطار الاستراتيجية الوطنية المعتمدة من طرف المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر في مجال “إعادة تأهيل التشكيلات الغابوية المتدهورة، وحماية الأراضي من الانجراف ، والوقاية من الفيضانات ، وحماية التنوع البيولوجي والبيئي”، كما أكد على ذلك السيد عبد العظيم الحافي ، المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، في كلمة له أمس ،الثلاثاء، في أكادير بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغابات.

وبفضل هذه الاستراتيجية الوطنية، فإن الغطاء الغابوي الذي كان في تراجع بنسبة ناقص 1 في المائة خلال العشرية 1990 – 2000 ، أصبح يعرف نموا في العشرية 2000- 2010 ، وذلك بنسبة 2 في المائة ، وهذا ما جعل تقارير المنظمة الأممية للأغذية والزراعة (الفاو) حول حالة الغابات في العالم وتطورها ، تشير إلى أن المغرب يعد من بين أفضل 25 بلدا ، تمكن بفضل تعديل برامجه وسياسته الوطنية لتدبير الغابات من تحقيق نتائج إيجابية.

ومن الأكيد أن الخبرات والمكتسبات ذات القيمة المضافة التي غنمها المغرب بفضل تنزيل مخططاته التنموية الدامجة للبعد البيئي ، إلى جانب البعدين الاقتصادي والاجتماعي ، ومن ضمنها مشروع تثمين النباتات الطبية والعطرية في إقليم اشتوكة ايت باها ، جعلته يمضي قدما في إطلاق برامج ومشاريع فلاحية مماثلة في جهات أخرى من تراب المملكة ، وذلك في إطار مخطط “المغرب الأخضر”.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر ، لمشروع “مواكبة الفلاحين الصغار للتغيرات المناخية ” في جهة تادلة أزيلال، ومشروع “التدبير المندمج للمناطق الشاطئية” في جهة الشرق، ومشروع ” ملاءمة الفلاحة في المنطقة المتوسطية مع التغيرات المناخية” وغيرها من المشاريع الأخرى التي تجسد الرؤية المغربية المبتكرة للتنمية المستدامة، والتي حظيت بدعم من طرف العديد من الهيئات التمولية والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة “الفاو” والبنك العالمي، وصندوق البيئة العالمي وغيرها من الهيئات الدولية الأخرى.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!