تنويع الاقتصاد في السعودية والإمارات
نجيب صعب *
«أدّى النمو الاقتصادي والسكاني الذي شهدته المملكة خلال السنوات العشرين الماضية إلى ارتفاع الاستهلاك المحلي للطاقة بمعدلات عالية جداً، نتيجة عدم كفاءة إنتاجها واستهلاكها، ما تسبب في زيادة هدر الطاقة، ليشكّل الاستهلاك المحلي نحو 38 في المئة من إجمالي إنتاج المملكة من المواد النفطية والغاز… سيستمر نمو الاستهلاك ليصل إلى ضعفي مستواه الحالي بحلول سنة 2030، ما لم تُتخذ إجراءات تهدف إلى ترشيد ورفع كفاءة الاستهلاك وتحسين الإنتاج».
لو جاء هذا الكلام في تقرير للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، مثلاً، لبقي في إطار التمنيات. لكن أهميته تكمن في أنه جاء على لسان نائب وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في افتتاح «منتدى المياه والكهرباء» الذي عُقد مؤخراً في الرياض. وهو لم يكتفِ بتشخيص المشكلة، بل عرض للحلول التي يعمل «المركز السعودي لكفاءة الطاقة» على تنفيذها، والتي ستؤدي إلى توفير ما يعادل ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً بحلول سنة 2030، نتيجة لتحسين كفاءة الاستهلاك والإنتاج في قطاعات الطاقة والمياه والصناعة.
الموازنة السعودية الجديدة وضعت إطاراً تطبيقياً لهذا التوجّه. فبدلاً من تخفيض الإنفاق عشوائياً لمواجهة تراجع الدخل من النفط، ركّزت على تدابير تؤدي إلى تنويع الاقتصاد لتخفيف اعتماده على النفط، وتعزيز الكفاءة والحد من الهدر. ولما كانت التنمية البشرية في أساس تنوع الاقتصاد وبناء ركائز الاستقرار الاجتماعي، دعمت الموازنة الجديدة قطاعات التربية والتعليم والبحث العلمي والصحة. كما حافظت على حصة وازنة لتطوير البنية التحتية، بما فيها الخدمات البلدية والمياه ووسائل النقل والاتصال والخدمات الإلكترونية، وذلك «لتحسين نوعية حياة المواطنين» كما جاء في شرح الموازنة. وابتداء من هذه السنة، ستزداد حصة المداخيل من القطاعات غير النفطية بنسبة 29 في المئة، لترتفع تدريجاً في السنوات التالية.
واعترافاً بأهمية التسعير العادل لخدمات الطاقة والمياه في تبديل أنماط الاستهلاك وتعزيز الكفاءة، أعادت الموازنة الجديدة النظر في أنظمة دعم الأسعار. وهي بدأت فوراً رفع الدعم عن أسعار الوقود والكهرباء والماء في برنامج تدريجي يستمر خمس سنوات. وجاء في شرح الموازنة أن هذا التدبير يهدف إلى «تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، ووقف الهدر». وقد صُممت هذه الإجراءات بحيث تخفف من الآثار السلبية على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وتحافظ على تنافسية قطاع الأعمال. وسيقود المجلس الاقتصادي الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحقيق هذا التوجه الجديد، الذي يعتمد مبادئ التنمية المستدامة بشكل صريح.
ليست السعودية وحيدة في التوجُّه لتنويع الاقتصاد واعتماد مبادئ التنمية المستدامة. فقد أعلن نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد الشهر الماضي أنه يشارك ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في أن الإمارات تستعد منذ اليوم «للاحتفال بآخر برميل تصدّره من النفط، وسنبدأ بوضع برنامج وطني شامل لتحقيق هذه الرؤية، وصولاً لاقتصاد مستدام للأجيال القادمة». وإذ أعلن أن 70 في المئة من اقتصاد الإمارات اليوم لا يعتمد على النفط، قال: «سنضيف قطاعات اقتصادية جديدة، وسنطور كفاءة وإنتاجية القطاعات الحالية، وسنعدّ أجيالاً تستطيع قيادة اقتصاد وطني مستدام ومتوازن».
بعد أسابيع قليلة على هذه التعهدات، تم تشكيل حكومة جديدة في الإمارات، طغى عليها عنصر الشباب من أصحاب الاختصاص والخبرة وسجلات النجاح، وذلك لتحقيق الرؤية المستقبلية المعلنة.
يبدو أن لانخفاض أسعار النفط آثاراً إيجابية أيضاً. فهو أعطى الدافع لتسريع تنويع الاقتصاد وتعزيز الكفاءة ووقف الهدر ووضع ثمن حقيقي للموارد الطبيعية وتنمية القدرات البشرية. ولا بد أن الدول التي يحرّكها قلق المستقبل ستسارع إلى اعتماد مبادئ الاقتصاد الأخضر في جميع القطاعات، بما يؤدي إلى خلق مزيد من فرص العمل، بالتوازي مع إدارة أفضل للموارد الطبيعية ورعاية البيئة.
أعترف أننا نشعر بالرضى حين نرى كيف أن التوصيات التي خلصت إليها تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، حول إدارة الموارد والاقتصاد الأخضر والاستهلاك المستدام، تجد طريقها إلى التنفيذ. وقد قلنا دائماً إن الهدف من التنمية المستدامة تأمين نوعية حياة أفضل للناس، وليس مجرد ارتفاع في أرقام النمو.
نجيب صعب * أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية