آفاق بيئية : د. محمد عبد الرءوف عبد الحميد*
قضية المياه مسألة حياة أو موت. فبدون المياه لا يمكن أن يحدث أى شيء على سطح الأرض، فلا يستطيع أى مخلوق أو جنس أن يحيى أو يقوم بأى نشاط، يقول الحق سبحانه وتعالى “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء،30). فالمياه تمكن الإنسان من القيام بمختلف الأنشطة الحياتية والتنمويةومن دون المياه لا يمكن إستمرار دورة التوازن البيئي في الطبيعة. وبالتالى يمكن القول بحق أن من يمتلك مصادر المياه بالكميات والجوده المناسبه يمتلك العالم.
إن قضية المياه معقدة وتشمل العديد من القضايا الفرعية مثل نقص المياه، تلوث المياه، نوعية المياه، تخصيص المياه بين الإستخدامات والقطاعات المختلفة، تسعير المياه…الخ. كما لها العديد من الأبعاد الإنسانية، الدينية، القانونية، الفنية، الإجتماعية، الصحية والإقتصادية.
والمتابع لحالة مياه الشرب وإنتظام إمدادات وجودة المياه في العديد من الدول العربية يستطيع أن يدرك مدى خطورة القضية، فالمياه أصبحت قضية أمن قومى الوطن العربى. فأغلب الدول العربية تقع تحت خط الفقر المائى، اى أن متوسط نصيب الفرد أدنى من النسبة الحرجة البالغة 1000 متر مكعب سنوياً للفرد والتي تُستخدَم كمؤشر إلى وجود أزمة مزمنة في المياه، مما إضطر العديد من الدول العربية على الإعتماد على تكنولوجيا تحلية المياه لتوفير إحتياجاتها المائية مع أنها تكنولوجيا مكلفة ولها أثار بيئية سلبية عديدة.
وتقدّر كمية المياه الواردة من خارج الأراضي العربية فى المتوسط بنحو 65% في المائة من إجمالي الموارد المائية المتاحة عربياً، كما أن معظم إن لم يكن كل الأنهار والقنوات الرافدة من خارج العالم العربي هي موضع خلاف قانوني أو سياسي.
ولا تزال الزراعة تمثل القطاع الرئيسي في استهلاك المياه في المنطقةحوالى 80% فى المتوسط، وذلك على الرغم من مساهمتها الهزيلة في إجمالي الناتج المحلي (أحسن مساهمة فى السودان 30%، وما بين 15-20% فى مصر والمغرب وسوريا، وأقل من 1% فى عدد من دول الخليج العربى).
بالإضافة إلى رداءة شبكات نقل المياه فى معظم الدول العربية مما يتسبب فى هدر الاف الأمتار المكعبة من المياه. فأصبحنا نجد ظاهرة الإنقطاع المتكرر لمياه الشرب فى العديد من الدول العربية من الخليج للمحيط خاصة فى فصل الصيف مما يشكل عدواناً على الحق فى المياه.
فى الحقيقة العديد من المشكلات الصحية تحدث بسبب عدم ملائمة مياه الشرب بل وتؤدي لانتشار الأوبئة وأمراض مختلفة من بداية من القىء والإسهال ونهاية بالفشل الكلوى حيث تجاوزت نسبة أمراض الفشل الكلوى فى مصر على سبيل المثال خمسة أضعاف النسب العالمية.
ومؤخراً فى مصر وفلسطين مثلاً ظهرت العديد من الحالات المرضية نتيجة تلوث مياه الشرب. مثلما حدث مؤخراً مع أهالى قرية صنصفط بمحافظة المنوفية حيث أثبتت الفحوص والتحاليل المعملية تلوث مياه الطلمبات وشبكة المياه الرئيسية بالقرية بالمواد السامة كالرصاص والزرنيخ أو تكون مياه الشرب مخلوطة بمياه صرف صحى. وربما يرجع وجود العناصر الثقيلة في مياه الشرب إلى مصادر التلوث الزراعي والصناعي المختلفة.
وفى جزئية العدالة نجد أن سوء توزيع المياه لصالح العواصم والمناطق والأحياء المرتفعة الدخل علي حساب القري والمناطق الشعبية مما تسبب قيام سكانها بقطع الطرق أكثر من مرة ليسمع صوتهم مثلما هو الحال فى مصر. وفى كل الدول العربية تقريباً ظاهرة تنازع القطاعات المختلفة على مياه الشرب مما نشأ معه العديد من النزاعات بين القرى والعائلات للحصول على مياه الرى.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل بات يهدد التنوع البيولوجى أيضاً فنتيجة تلوث المجارى المائية بالملوثات الصناعية والزراعية أثر على الثروة السمكية حيث لاحظنا ظاهرة النفوق الجماعى للأسماك فى نهر النيل مؤخراً (سبتمبر 2012) فى منطقة إمبابة بالجيزة.
إن توفير مياه الشرب المأمونة والنقية أحد المحددات الإجتماعية للصحة وفق تفسير المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما جاء في إعلان الألفية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2000 ضمن مبادئ حماية البيئة المشتركة التأكيد علي “وقف الإستغلال غير المحتمل لموارد المياه، بوضع إستراتيجيات لإدارة المياه على كل من الصعيد الإقليمي والوطني والمحلي، بما يعزز إمكانية الحصول عليها بصورة عادلة مع توافرها بكميات كافية”.
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أغسطس 2010 بقرارها رقم 64/292 حق الإنسان في الحصول علي المياه والصرف الصحي. حيث نص القرار علي أهمية أن يحصل الجميع علي نحو متكافئ علي مياه شرب مأمونة ونقية وأن يتوفر لهم الصرف الصحي، بوصف ذلك جزءاً لا يتجزأ من إعمال جميع حقوق الإنسان . وأكد القرار علي مسئولية الدولة علي حماية الحق في المياه علي نحو يحقق الإنصاف والتكافؤ والمساواة. واعتبرت أن الحق في مياه الشرب المأمونة والنقية هو جزء من الحق في الحياة.
ومما سبق نستنتج أنه لإعمال الحق فى المياه وتوفير الحد الأدنى مع الحياة الكريمة الادمية أو ما يطلق عليه Basic Line Lifeيتطلب ذلك بصفة أساسية توافر المياه بالكيات والجودة المناسبة وبالتالى لابد:
–أن توفر الدولة القدر الكافي من المياه المأمونة والنقية لكل السكان.
–ضمان إستمرارية تدفق ووصول المياه النقية للجميع بناء على مبدأ الإنصاف.
–توفير المياه بتكلفة تكون في متناول جميع فئات السكان، خاصة الفئات الضعيفة أو المهمشة والريفية.
–الإنصاف عدم تحميل الأسر الفقيرة عبء مصروفات لا تتناسب مع دخولها مقارنة بالأسر الأغنى منها. كل ذلك فى إطار إسترداد التكلفة وليس تسعير.
–إمكانية الوصول إلى المعلومات الخاصة بوصول المياه وأسباب انقطاعها وتحديد مواعيد واضحة لذلك.
–لابد من الإدارة المتكاملة لموارد المياه بالدولة وإستخدام مختلف الأدوات السياسية (قوانين، حوافز، توعية…الخ) من أجل رفع الوعى لتوشيد إستخدام المياه.
–الإهتمام بجانب إدارة الطلب على المياه وليس فقط أدارة العرض كما هو متبع فى أغلب الأحيان.
–تحسين كفاءة شبكات النقل.
–ترشيد الدعم للقطاعات المختلفة المستهلكة للمياه خاصة قطاع الزراعة.
إن المياه حق أساسى للشعوب وتوافرها للجميع بالكمية والجودة المناسبة مظهر من مظاهر العدالة الإجتماعية والديمقراطية، ويجب على الدول العمل على تحقيق هذا المطلب على أرض الواقع كى تضمن عدم وجود تذمر وشكاوى وإحتجاجات من جانب الشعوب، ويجب أن يدرج هذا الحق فى دساتير الدول جنباً إلى جنب مع باقى الحقوق البيئية المتعارف عليها عالمياً.
*المنسق العالمى للمجتمع المدنى لمجموعة البحث العلمى التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة