فقر عربي في بيانات تغير المناخ!

محمد التفراوتي6 مايو 2014آخر تحديث :
فقر عربي في بيانات تغير المناخ!

تقرير الهيئة الحكومية الدولية

batir_photoباتر محمد علي وردم

صدر في مدينة يوكوهاما اليابانية في 30 آذار (مارس) 2014 الجزء الثاني من التقرير الدوري الخامس للهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ  بعنوان «تغير المناخ 2014: التأثيرات والتكيف وسرعة التأثر».

 يشكل هذا التقرير نهاية جهد مجموعة العمل الثانية في الهيئة، بعد أن صدر تقرير مجموعة العمل الأولى حول «قاعدة العلوم الفيزيائية» في أيلول (سبتمبر) 2013، بينما سيصدر تقرير مجموعة العمل الثالثة حول إجراءات التخفيف في نيسان (أبريل) المقبل.

 التقرير الجديد الذي ساهم في إعداده نحو 300 كاتب رئيسي ومشارك ومراجع، واعتمد على 12 ألف مرجع من الدراسات العلمية المحكمة، ونشر في 2600 صفحة قسمت إلى 32 فصلاً، سيكون المرجعية الرئيسية لدراسة تأثيرات تغير المناخ على الأنظمة الطبيعية والبشرية والاقتصادية خلال السنوات السبع المقبلة على الأقل.

 تجاوز التقرير كل ما كان متوقعاً من السيناريوهات المثيرة للقلق، ورسم ملامح مستقبل محفوف بمختلف أنواع المخاطر على كل الأنظمة الطبيعية والبشرية معاً. هذا الإنذار الذي أطلقه أهم علماء العالم لم يعد قابلاً للتشكيك أو التعطيل. وكان من أهم الأحداث التي رافقت إصدار التقرير النقد الشديد الذي تم توجيهه إلى قناة BBC البريطانية الكبرى التي نشرت خبراً بعنوان «علماء المناخ يشككون في نتائج التقرير الأخير» يستند إلى رأي مشارك واحد في التقرير هو اقتصادي بريطاني يعمل في مؤسسة تمولها شخصيات مشككة في تغير المناخ. الإجماع بات كاملاً الآن.

 ولكن على رغم ثراء مضمون التقرير في ما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ على مناطق العالم كافة، فإنه يبدو «فقيراً» نسبياً في ما يتضمنه حول التأثيرات المحددة على العالم العربي. ويحتاج المرء إلى جهد كبير في البحث في الفصول الثلاثين للتقرير كي يستخلص صورة شبه متكاملة للتأثيرات المتوقعة. وما يزيد الأمور تعقيداً أن تاثيرات تغير المناخ المتوقعة على العالم العربي منتشرة ضمن عدة فصول، وليس في فصل واحد، لأن الهيئة الحكومية تقسم مناطق العالم جغرافياً لا سياسياً، بحيث تنقسم الدول العربية بين منطقتي آسيا وأفريقيا.

 بالنسبة إلى القارة الأفريقية، تتمثل التأثيرات المتوقعة عموماً في ضغوط متكررة على المصادر المائية العذبة، وحدوث حالات متكررة من الجفاف (ثقة عالية)، وتراجع الإنتاجية الزراعية التي تترافق مع زيادة درجات الحرارة والجفاف وتراجع الأمن الغذائي (ثقة عالية)، وكذلك التغيرات في حدوث الأمراض السارية نتيجة تغير درجات الحرارة (ثقة متوسطة). بالنسبة إلى آسيا، تتمثل أهم التأثيرات المتوقعة في زيادة الفيضانات والأعاصير، خاصة في شرق وجنوب القارة، وزيادة حالات الوفيات الناجمة عن الحرارة وزيادة الجفاف، وبالتالي تراجع الإنتاجية الزراعية في المناطق الأكثر جفافاً (غرب آسيا).

 وبشكل أكثر تفصيلا، يتوقع التقرير تراجع كثافة الغطاء النباتي في المغرب وبقية بلدان شمال أفريقيا، وتراجع الحيود المرجانية في المناطق الآسيوية المختلفة، وزيادة انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه في مناطق بلاد الشام. كما يتوقع ارتفاع درجات الحرارة في مناطق العالم العربي بمعدل 1,7 درجة مئوية وفق سيناريو الانبعاثات الأقل و5,4 درجة مئوية وفق سيناريو الانبعاثات الأعلى. وسيتراجع سقوط الأمطار في شمال أفريقيا بنسبة 15 ـ 25 في المئة وفق سيناريو الانبعاثات الأقل وأكثر من 50 في المئة حسب سيناريو الانبعاثات الأعلى. أما في البلدان العربية الآسيوية فسيرتفع معدل الحرارة درجتين مئويتين وفق سيناريو الانبعاثات الأقل ويصل إلى أكثر من 5 درجات وفق سيناريو الانبعاثات الأعلى. وستكون المنطقة العربية الوحيدة ضمن مناطق آسيا التي سيتراجع فيها الهطول المطري إلى ما دون 20 في المئة حسب النماذج المستخدمة.

 بالنسبة إلى التغيرات في الأنظمة الطبيعية، يتوقع التقرير تغيرات طفيفة أو عدم حدوث تغيرات في مصر والسودان وجزء كبير من ليبيا، وتغيرات متوسطة الحجم في المناطق الصحراوية في الجزائر والمغرب، ولكن تغيرات عالية في المناطق الساحلية في تونس والجزائر والمغرب.

 ويشير التقرير إلى أن المشاهدات المتعلقة بسقوط الأمطار في آسيا أشارت بدرجة ثقة عالية إلى تراجع طفيف في كمية الأمطار الهاطلة في السنوات الماضية، ولكن مع زيادة ملحوظة في كثافة سقوط الأمطار وشدتها. لكنه يشير أيضاً إلى وجود ثغرات في المعلومات المتعلقة بشدة تأثر مناطق معينة بتغير المناخ، وخاصة في غرب آسيا حيث الدراسات شحيحة وتحتاج إلى مزيد من العمل وكثافة أعلى في النشر.

 بشكل عام، تعتبر كمية المعلومات المتعلقة بالعالم العربي في تقرير الهيئة الحكومية الجديد محبطة جداً نظراً إلى قلة الدراسات وعدم وجود عدد كاف من المؤلفين من الدول العربية. وهذا ما يجعل الاستعانة بهذه التقارير صعبة لتحديد مسارات السياسات المطلوبة في المنطقة. مثل هذا الوضع يزيد من أهمية التقارير والدراسات الإقليمية والوطنية في العالم العربي، والحاجة الماسة إلى استخدامات نماذج تقدم تحليلاً يعتمد على تقليص النطاق (downscaling) الجغرافي في المنطقة ليكون على مستوى الدولة الواحدة أو حتى المناطق المختلفة في الدولة.

 تقرير الهيئة الحكومية ثري جداً في المعلومات الخاصة بالعالم، لكنه فقير في ما يتعلق بالعالم العربي. وهذه مسؤولية تقع علينا جميعاً.

 ربما من المهم أيضاً أن تنتقل الهيئة الحكومية من التقارير العالمية إلى تلك الإقليمية والقارية، لوضع تصورات أكثر وضوحاً لما سيحدث في القارات المختلفة وخاصة في العالم العربي.

(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد أيّار/حزيران – مايو/يونيو 2014)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!