محمد مصطفى الخياط
يرتبك متخذو القرار عادة عند قراءة كلمة «دعم»، فهي تعني بالنسبة إليهم تدبير موارد مالية لتغطية فجوة سعرية لمنتج ما يباع بأقل من كلفته الحقيقية. على الجانب الآخر، يتحفز المستهلكون للاحتجاج عند قراءة الكلمة ذاتها في تصريحات رسمية، إذ تعني بالنسبة إليهم نية الحكومة تقليص الدعم، مما يعني مطالبتهم كمواطنين بدفع مبالغ مالية أكبر نظير الحصول على الخدمة ذاتها. وبالقياس بين المنتجات المدعومة، تستحوذ «الطاقة» على لقب الأكثر دعماً. فقد قفز إجمالي الدعم العالمي خلال خمس سنوات من 342 بليون دولار عام 2007 إلى 523 بليون دولار عام 2012، جاء معظمها من ميزانيات البلدان النامية بهدف دعم أنظمتها التقليدية لإنتاج الطاقة.
في هذا الصدد، تعد المنطقة العربية الأبرز على مستوى العالم في دعم الطاقة، بنسبة تصل الى 45 في المئة من إجمالي الدعم العالمي. ومع تفاوت نسب الدعم بين بلدان المنطقة، تتصدر الكويت والسعودية وقطر مشهد دعم أسعار الوقود والكهرباء بأكثر من ثلثي كلفة إنتاج كل منها، ليقترن الدعم بفداحة الاستهلاك وزيادة معدلات حرق الوقود، وبالتالي التأثيرات السلبية على البيئة. ومن حيث المفارقات، لا يزيد المتوسط العالمي لنسبة الدعم مقاساً الى إجمالي الناتج المحلي عن 2 في المئة، في حين يصل نظيره في المنطقة العربية إلى 20 في المئة، أي عشرة أضعاف المعدل العالمي. فبات التعامل معه يستدعي معالجات بالغة الحساسية، كما يثير الكثير من التساؤلات حول إمكانية التخلص منه تدريجياً.
للإنصاف، لا يقتصر الدعم على دول المنطقة، بل يمتد الى أنحاء كثيرة من العالم. فدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تدفع في المتوسط نحو 14 في المئة من إجمالي الدعم العالمي للطاقة، أي 72,5 بليون دولار، تتصدرها الولايات المتحدة بدعم قدره 13,1 بليون دولار وبريطانيا بدعم قدره 6,6 بليون دولار عام 2011.
ومع هذا، فالفارق بين منهجي الدعم في الدول العربية والدول المتقدمة شاسع جداً. ففي المنطقة العربية، يعني بيع البنزين والسولار وسائر أنواع الوقود، وكذلك الكهرباء، بأدنى من كلفة الإنتاج. أما في الدول المتقدمة، فكل من يريد الحصول على ليتر وقود، أيا يكن نوعه، عليه أن يدفع سعره الحقيقي كاملاً غير منقوص. فالدعم لدى الدول الصناعية يعني إقرار بعض الإعفاءات الضريبية على استخدام الوقود الأنظف أو الوقود الهجين (الإيثانول مع البنزين) كما في البرازيل والولايات المتحدة، كما يشمل الدعم المالي لأبحاث الطاقة، مثال ذلك تقديم نصف بليون دولار لشركة «تسلا» الأميركية لتصنيع سيارات كهربائية، ومثلها لأبحاث الوقود المنخفضة انبعاثات الكربون.
يمتد نطاق الدعم أيضاً إلى أبحاث تطوير إنتاجية آبار البترول والغاز الطبيعي، والعمل على تحسين إجراءات التكرير والنقل والتخزين لكلا الخامين ومشتقاتهما. إلى جانب ذلك، ينمو الدعم المالي المخصص لأبحاث حجز الكربون وتخزينه وإعادة استخدامه في دول الوكالة الدولية للطاقة عاماً بعد عام، وكذلك أبحاث استخدامات الطاقة النووية للأغراض المدنية السلمية.
وتساهم الطاقة المتجددة حالياً بنحو 5 في المئة من جمالي القدرات العالمية، وقرابة 3,4 في المئة من الطاقة الكهربائية المولدة، كما أن نصف القدرات المركبة المضافة عام 2012 كانت لتقنيات متجددة. إلا أنها ما زالت تحتاج إلى دعم على مستوى البحث والتطوير من جهة، وأيضاً التسويق من خلال سياسات مبتكرة كتعرفة التغذية. فهذا يتيح للمستهلكين إنشاء وحدات خلايا فوتوفولطية على سطوح منازلهم وبيع الكهرباء المنتجة لمرفق الكهرباء بسعر جاذب.
من جهة أخرى، يبدو السوق العربي مؤهلاً لرفع الدعم تدريجياً. ففي استطلاع للرأي أجرته مجلة «البيئة والتنمية» خلال كانون الأول (ديسمبر) 2013 على موقعها الإلكتروني حول السؤال الآتي: «هل تؤيد الرفع التدريجي للدعم عن أسعار الكهرباء والبنزين، مع تقديم خدمات اجتماعية في المقابل؟» أبدى 74 في المئة من المشاركين موافقتهم على هذا الإجراء. بقي أن نعرف أن الموقع الإلكتروني للمجلة يزوره شهرياً نحو ثلث مليون زائر تجمعهم هموم البيئة والتنمية، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الموافقة على هذه الآلية.
لتدبير ميزانيات الدعم في الدول المتقدمة، يلتزم مستهلك الكهرباء في ألمانيا بدفع 2 سنت يورو على كل كيلوواط ساعة يستهلكه، توضع في صندوق دعم الطاقة المتجددة. هكذا تجمع ألمانيا 13 بليون يورو سنوياً تدفع منها قيمة شراء الطاقة المتجددة بنظام تعرفة التغذية، وتغطية الإعفاءات الضريبية، وأيضاً ميزانيات البحث والتطوير. وقد رفعت الحكومة الألمانية هذه القيمة لتصبح 5 سنت يورو لكل كيلوواط ساعة منذ مطلع 2013، ليرتفع رصيد صندوق الدعم بأكثر من الضعف. هذا يعني أن المستهلك شريك رئيسي في عملية الدعم والتطوير، وبما لا يؤثر سلباً في ميزانيات الحكومة.
إذاً، الدعم ضرورة لا غنى عنها في معظم دول العالم، لكن الغرض منه ليس فقط مراعاة البعد الاجتماعي لمحدودي الدخل، بل المساعدة في إحداث طفرة في التقنيات تؤدي الى زيادة الإنتاجية ورفع الكفاءة وتقليل انبعاثات الكربون وانتشار التقنيات الحديثة، تحت غطاء مجتمعي يشارك في التمويل وتحمل الأعباء، وأيضاً جني ثمار الدعم الإيجابي. فالتوسع في دعم الوقود يعني مباشرة الدعوة إلى مزيد من تلويث البيئة.
الدكتور محمد مصطفى الخياط مدير الشؤون التقنية في هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد آذار/نيسان – مارس/أبريل 2014)