بقلم نجيب صعب
أسبوع الاستدامة، الذي انطلقت به السنة الجديدة في أبوظبي، حمل مؤشرات للمستقبل. فالتقارير التي عرضت خلال نشاطاته، من اجتماع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) الى قمة طاقة المستقبل والقمة العالمية للمياه، أظهرت بصورة لا تقبل الجدل أن العالم الذي نعرفه يتغير، ولا مفر للدول التي تطمح للعب دور فاعل في عالم متغير من أن تطور سياساتها وخططها الإنمائية على هذا الأساس.
من الأرقام التي جاءت في التقارير على مستوى العالم: ارتفعت حصة الكهرباء المنتجة من ألواح شمسية بنسبة 20 في المئة عام 2013، وانخفضت أسعار الألواح الى النصف خلال السنتين الأخيرتين. حصة الطاقة المتجددة ستتضاعف سنة 2030، وهي ستحل مكان الفحم الحجري كمصدر أول للطاقة الأولية. وفي الوقت نفسه، ستتراجع حصة الفحم الحجري بنسبة 26 في المئة والنفط بنسبة 15 في المئة والنووي بنسبة 13 في المئة، بينما ترتفع حصة الطاقة المتجددة بنسبة تصل الى 150 في المئة.
وعدا عن الأرقام العالمية الإجمالية، أعلنت دول كثيرة عن انجازات وأهداف. ففي الصين استحوذت الطاقة المتجددة على 20 في المئة من مجمل الإنتاج عام 2013. وفي ألمانيا ستصل حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء الى 35 في المئة سنة 2020 وإلى 50 في المئة سنة 2050. أما الأوروغواي فأعلنت أنها تنتج الكهرباء حالياً من الرياح بكلفة 6 سنتات لكل كيلوواط ساعة، ومن الشمس بكلفة 9 سنتات، أي أرخص من الإنتاج بالطاقة التقليدية المستوردة.
العلاقة الوثيقة بين الطاقة والمياه في العالم العربي احتلت حيزاً كبيراً في النقاشات، حيث يؤدي قطاع الطاقة دوراً رئيسياً في تلبية الاحتياجات المائية والغذائية في البلدان العربية. والسبب في المقام الأول تحلية مياه البحر في المنطقة التي تستأثر بخمسين في المئة من قدرة التحلية في العالم، إضافة إلى الطاقة المطلوبة لضخ المياه الجوفية وتوزيعها.
وتوصل تقرير حديث من المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن (تشاتهام هاوس) إلى أنه إذا استمرت مستويات استهلاك المياه والكهرباء في بلدان مجلس التعاون الخليجي في الارتفاع بالمعدلات ذاتها، فان الطلب سيتضاعف بحلول سنة 2024. وهذا يعني زيادة في استنزاف المياه الجوفية وفي استعمال الطاقة من أجل التحلية. وأشار التقرير إلى أن النمو في استهلاك الطاقة لا يولّد نمواً مساوياً في الاقتصاد بسبب انخفاض معدلات الكفاءة، وإذا لم تتخذ اجراءات تصحيحية فان معظم الإنتاج النفطي سيستهلك محلياً، ما يحرم البلدان المنتجة عائدات تصدير كبيرة.
في مواجهة هذا التحدي، أعلنت أبوظبي خلال القمة عن استراتيجية ثورية لإدارة المياه، تقوم أساساً على تحسين الكفاءة وترشيد الاستهلاك. فالضخ من الخزانات الجوفية يزيد حالياً بنحو 15 ضعفاً عن المعدلات الطبيعية لتغذيتها، وزيادة كميات مياه البحر المحلاة ذات كلفة مالية وبيئية مرتفعة. خطة أبوظبي تتضمن إعادة استخدام كل كمية مياه الصرف المعالجة مع حلول سنة 2018، واستيراد الأعلاف بدل إنتاجها محلياً بعدما كانت تستهلك 60 في المئة من مياه الري، وحصر الإنتاج الزراعي في المحاصيل الضرورية للأمن الغذائي، واعتماد النباتات المحلية في الحدائق والمناطق الترفيهية، وهي تتطلب كمية أقل من المياه. وقد بدأت النتائج بالظهور، إذ انخفض استخدام المياه في الزراعة بنسبة 40 في المئة بنهاية عام 2013.
سلطان الجابر، وزير الدولة الإماراتي لتغير المناخ والرئيس التنفيذي لشركة مصدر لطاقة المستقبل، قال إن العالم سيحتاج سنة 2030 الى 50 في المئة طاقة أكثر و30 في المئة مياهاً أكثر، وهذا لن يكون ممكناً إلا عن طريق تحسين مستويات الكفاءة، ووقف الهدر، وتنويع المزيج الطاقوي، بالتحول إلى الاستخدامات الأنظف للطاقة ومصادر الطاقة المتجددة. يجب تأمين إمدادات الطاقة والمياه لمن يحتاج اليها، من دون تخريب الكوكب وهدر موارده غير المتجددة. الحلول لتحقيق تنمية بلا تدمير موجودة، أكد الجابر، والمطلوب تفعيل الإرادة السياسية لتطبيق هذه الحلول على أوسع نطاق.
وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي وضع الأصبع على الجرح حين صرّح أن استهلاك الإمارات من الطاقة يصل الى ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، ولا بد من رفع الأسعار لتشجيع المستهلكين على تغيير عاداتهم. وإذ أوضح أن الدعم الكبير لأسعار الوقود والكهرباء لا يعطي المقيمين في دول الخليج دافعاً مقنعاً للتحول الى سيارات أقل استهلاكاً للبنزين أو أجهزة منزلية كفـوءة كهربائياً، قال الوزير المزروعي إن الزيادة الطفيفة في أسعار الكهرباء والمياه على أساس الشرائح، التي اعتمدتها الإمارات في السنوات الأخيرة، قد لا تكون كافية، ما يستدعي إعادة النظر بالتعرفة. وجاء هذا الكلام تأكيداً لما أعلنه وزير النفط والغاز العُماني محمد الرمحي من ضرورة إعادة النظر بسياسات الدعم ورفع أسعار الوقود والكهرباء، لإرسال إشارة واضحة الى جيوب المواطنين، لأن هدر الطاقة يشكل خطراً مدمراً على الدول المنتجة للبترول ويحرمها مورداً كبيراً.
صحيح أن مصادر الطاقة المتجددة تشهد إقبالاً ملموساً. لكن الصحيح أيضاً أن العالم سيحتاج الى كميات أكبر من الطاقة من جميع الأنواع، مهما بلغت مستويات الكفاءة والترشيد، خاصة أن أكثر من ألف مليون نسمة يفتقرون إلى مصادر طاقة مأمونة، والعدد يزداد. غير أن المتفق عليه أنه لن يمكن الاستمرار في هدر مورد وطني ثمين أو متابعة التلويث. لذا من الضروري العمل على تحويل النفط إلى طاقة للمستقبل أيضاً، عن طريق تطوير استخدامات أنظف للوقود الأحفوري، واستعمالات منتجة للسلع تتعدى الحرق، وترشيد الاستهلاك. وهناك اتفاق على أن تنويع مصادر الطاقة يساهم في تحقيق هذا الهدف.
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد آذار/نيسان – مارس/أبريل 2014)