الاعلام البيئي ورهانات تغير المناخ: من التوعية إلى بناء الصمود المجتمعي

محمد التفراوتي2 يونيو 2025آخر تحديث :
الاعلام البيئي ورهانات تغير المناخ: من التوعية إلى بناء الصمود المجتمعي

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في زمن تاهت فيه الأرض أنينا، وغابت في الضباب ملامح السنين، يعلو صدى الإعلام صوتا مستنيرا، ينير درب الوعي في الحقول الحزينة. فيا من تكتب للغد نبض الحقيقة، كن صدى الغابة، وريح السكينة، وازرع بكلماتك بذور الصمود، لعل الكوكب ينجو من سبات العزلة الدفينة.

فالتكيف ليس خيارا بل نداء حياة، والتواصل جسر بين المعرفة والنجاة، ومن رحم الكلمة تولد الحلول، وتنهض المجتمعات من بين الفصول.
فلتكن رسالة الاعلامي البيئي دفء الوعي في زمن التحول، وصوت الأمل في وجه العواصف والذهول.

في ظل تصاعد التحذيرات العلمية بشأن التغيرات المناخية وما يرافقها من اختلالات بيئية متفاقمة، بات الإعلام البيئي يحتل موقعا استراتيجيا لا يمكن تجاهله في خريطة المواجهة العالمية. إنه ليس مجرد ناقل للمعلومة البيئية، بل فاعل أساسي في تشكيل وعي جماعي بيئي، وتحفيز المجتمعات على الصمود والتأقلم مع واقع جديد تحكمه هشاشة النظم الإيكولوجية وتحديات التنمية المستدامة.

من الظواهر إلى الوقائع: مناخ يختل وإعلام يلاحق

لم تعد التغيرات المناخية سيناريوهات مستقبلية أو مواضيع بحث أكاديمي فقط، بل أصبحت واقعا يوميا يفرض نفسه على المجتمعات والاقتصادات والحكومات. بين حرائق الغابات التي تلتهم الواحات والغابات، وموجات الجفاف التي تقتل الزراعة، والعواصف التي تدمر البنية التحتية، تبرز هذه الأحداث الحاجة إلى إعلام بيئي فاعل قادر على الربط بين هذه الظواهر المناخية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

في المغرب، على سبيل المثال، تكشف حرائق الواحات المتكررة، وندرة المياه في المناطق شبه القاحلة، وتراجع الغطاء النباتي، عن صورة مصغرة لتأثير المناخ على نمط الحياة والأنشطة الفلاحية، وتؤكد الحاجة الملحة لإعلام يتناول هذه القضايا بعمق واستمرارية.

من التوعية إلى التمكين: دور الإعلام في دعم التأقلم

وظيفة الإعلام البيئي لا تقتصر على التحسيس بالخطر أو نقل الأخبار البيئية عند حدوث الكوارث، بل تمتد لتشمل التوعية بالحلول، وتسليط الضوء على المبادرات المحلية، وتبسيط لغة العلم كي تصل إلى المواطن البسيط.

فما معنى الحديث عن “التأقلم المناخي” في مجتمعات لا تدرك حتى أسباب التصحر أو نفوق النحل؟ كيف يمكن الحديث عن “الصمود البيئي” دون إعلام يوضح أهمية تقنيات الزراعة المستدامة، أو أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي في مواجهة تغير المناخ؟

هنا يأتي دور الإعلام البيئي في بناء الثقة بين المعرفة والمجتمع، وتحفيز السلوكيات البيئية الإيجابية، من خلال سرد قصص النجاح، وتجارب التعاونيات البيئية، والمشاريع الشبابية في إعادة التشجير، وحصاد المياه، والاقتصاد الأخضر.

فجوة التغطية: الإعلام البيئي في العالم العربي

في المنطقة العربية، لا تزال التغطية البيئية تعاني من التهميش مقارنة بباقي المواضيع. الإعلام العام نادرا ما يعطي الأولوية للقضايا البيئية، فيما الإعلام المتخصص يعاني من قلة الموارد والدعم المؤسسي. ويظل الإعلاميون البيئيون في كثير من الأحيان عرضة للتهميش أو العزلة داخل مؤسساتهم.

رغم بعض المبادرات التي أطلقتها منظمات دولية وإقليمية ومحلية لتكوين الصحفيين البيئيين (كـ UNESCO، و IUCN، و Earth Journalism Network)، ووزارة المعنية لقطاع البيئة في أيام سالفة إلا أن الحاجة ماسة إلى توسيع قاعدة التكوين، وربط الصحفيين بالباحثين، وتمويل مشاريع إنتاج إعلامي بيئي متعدد الوسائط، قادر على مواكبة تحديات العصر المناخي.

ومن ضمن المبادرات الشخصية التي شكلت نماذج للترافع الإعلامي البيئي، برزت ممارسات ميدانية ترتكز على إعداد مقالات وتحقيقات صحفية حول التدهور البيئي للواحات، وتأثيرات تغير المناخ على النظم التقليدية للعيش، مما ساهم في لفت انتباه الرأي العام ومختلف الجهات المعنية.

كما اعتمدت بعض المقاربات على المراسلات المفتوحة كأداة ضغط ناعم، من خلال توجيه رسائل مفتوحة إلى مسؤولين حكوميين، من قبيل وزراء الفلاحة والصيد البحري، للمطالبة بإدراج قضايا مثل حرائق الواحات، وانقراض بعض الأنواع المحلية، وتراجع الغطاء النباتي، ضمن أولويات التدخلات القطاعية. هذه الرسائل، التي نشرت أحيانا عبر منصات رقمية وإعلامية، ساهمت في إعادة طرح إشكاليات بيئية ملحة على طاولة النقاش العمومي.

من جهة أخرى، وفرت منصات دولية متخصصة، فضاء لعرض هذه القضايا في بعد عالمي، عبر مقالات تحليلية تناولت تحولات البيئة الواحية، والنزوح البيئي، وقضايا الحوكمة المناخية، مما جعل الإعلام البيئي المغربي يفرض حضوره داخل النقاشات الدولية المرتبطة بالعدالة المناخية.

وتكمن أهمية هذه المبادرات في اعتمادها على ربط العلم بالميدان والإعلام بالمجتمع المحلي، حيث انطلقت من التقاطات واقعية وتحقيقات ميدانية، مدعمة بالشهادات والصور والمعطيات، ما عزز مصداقيتها، وجعل منها نماذج يحتذى بها في بناء إعلام بيئي ملتزم وهادف.

إن الرهان اليوم، في ظل التسارع البيئي والمناخي، يتمثل في تعميم ثقافة الإعلام البيئي، وتكوين الصحفيين في مجالات التغير المناخي، وتثمين التجارب الوطنية الناجحة التي استطاعت التأثير في القرار وتوجيه الرأي العام نحو ضرورة الصمود والتأقلم.

و يتطلب بناء إعلام بيئي قادر على مواكبة التحديات المناخية وتعزيز الوعي المجتمعي اتخاذ مجموعة من التدابير الجوهرية. ويستوجب الأمر تعزيز التكوين الإعلامي البيئي داخل المؤسسات التعليمية والمعاهد الصحفية، بما يتيح إعداد جيل من الصحفيين المؤهلين لمعالجة القضايا البيئية بعمق ومسؤولية. كما يقتضي إدماج البعد المناخي ضمن مختلف الأجناس الصحفية، وعدم الاقتصار على التقارير المتخصصة، بهدف إضفاء بعد بيئي على المضامين الإعلامية اليومية وتوسيع نطاق الاهتمام بالقضايا المناخية.

ويستوجب السياق الراهن كذلك تشجيع الصحافة البيئية الاستقصائية، باعتبارها آلية فعالة لمساءلة السياسات البيئية وتتبع تنفيذ الالتزامات الوطنية والدولية. كما يستدعي التحفيز على إنتاج قصص إنسانية ذات بعد بيئي، تُقدّم بلغة مبسطة وشحنة وجدانية، لتقريب القضايا المناخية من المواطن وربطها بتجربته اليومية.

ويقتضي الأمر أيضا إرساء شراكات منهجية بين الصحفيين والباحثين البيئيين، بغرض إنتاج محتوى رصين، قائم على المعطى العلمي، وموثوق من حيث المصادر. كما أن تمويل منصات رقمية متخصصة في البيئة، قادرة على تقديم محتوى تفاعلي موجه لفئة الشباب، من شأنه أن يعزز ثقافة “البيئة اليومية” ويكرس حضورها في الفضاء العمومي الرقمي، مما يدعم الترافع من أجل التنمية المستدامة على المستويين المحلي والدولي.

أمام هذا المنعطف المناخي الحرج، لا يمكن أن يكون الإعلام البيئي مجرد خيار، بل ضرورة وجودية لبناء وعي جماعي قادر على اتخاذ قرارات صائبة، ومجتمعات قادرة على الصمود والتكيف. وحده إعلام بيئي شجاع، مستقل، ومدعوم بالعلم والمعرفة، يستطيع أن يتحول من ناقل للخبر إلى صانع للتغيير.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!