مستقبل قناة السويس

محمد التفراوتي22 فبراير 2025آخر تحديث :
مستقبل قناة السويس

آفاق بيئية: د. حمدي هاشم
drhhashem@gmail.com

لا يغيب أثر الجغرافيا عن كل ما يدور في العالم، فهو حتمي، وهي في منطقتنا العربية الصفيح الساخن، من الموارد الطبيعية ومتلازمة الدولة اليهودية وحركة التجارة العالمية، وأخرى. وتطارد لعنة الجغرافيا منطقة الشرق الأوسط (الأرض والشعوب) بأنياب الغرب بقيادة الولايات المتحدة (تقسيم المقسم)، بعد همجية الرد الإسرائيلي في غزة ولبنان والضفة الغربية، على طبول أنشودة نهاية البشرية في الرواية التوراتية! وخرائط نتنياهو المباشرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتوسعة رقعة الاحتلال، وسرعان ما سلبت أراض عربية حريتها بعد إسقاط ثلاثي للدولة السورية، بفصائل إسلامية (إرهابية) متعددة الجنسيات، وتم الاستيلاء على غلاف الجولان حتى مشارف دمشق، لمواجهة مخاطر هؤلاء الإسلاميين الجدد! ومن منظور الجغرافية العسكرية السيطرة على تخوم جغرافية بحسب المعايير الإسرائيلية!
تؤجل وثائق العمليات السرية كيف اندلعت حرب غزة وحقيقة هجوم حماس الاستباقي في (تشرين الأول) السابع من أكتوبر؟! وقد طالت تلك الحرب استقرار وأمن قناة السويس، منذ تمركز القبة الحديدية لقوات البحرية الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر، المضادة للصواريخ البالستية والطائرات المسيرة من اليمن باتجاه أهداف حيوية في إسرائيل، وكذلك أهداف بحرية متصلة بإسرائيل وأعوانها، وبدلاً من وقف إطلاق النار في غزة (مطلب الحوثيين) أشعلت الحرب في محيط باب المندب وخليج عدن، مما دفع شركات النقل البحري للمسار حول أفريقيا، مع خسائر مالية كبيرة وضغوط اقتصادية على الحكومة المصرية. ونذكر أحداث العدوان الثلاثي الغاشم لاستعادة السيطرة على قناة السويس وإسقاط ناصر، والتدخل الأمريكي لإنهاء أزمة السويس ومكافحة نفوذ الاتحاد السوفيتي بالمنطقة، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشرم الشيخ، بشرط حماية دولية للحدود من الفدائيين والجيش المصري! ولكن اليوم لا يشبه البارحة حيث شاركت الولايات المتحدة إسرائيل الإبادة الجماعية في غزة، وكشفت عن أهداف السياسة الحقيقية بينهما في الشرق الأوسط، ومنها القناة الإسرائيلية!


تعود فكرة حفر قناة تربط بين سواحل غزة والعقبة إلى عهد السلطان عبد الحميد (لمهندسون ألمان)، ذلك المشروع الذي لم ير النور دفاعاً عن وجود القناة المصرية! وجاءت دولة الاحتلال لتطرحه من جديد ـ بعد نحو سبعة عقود ـ منافساً لقناة السويس، والذي دعمته وزارة الطاقة الأمريكية في وثيقة سرية (يوليو 1963)، وعاد لتغيبه صعوبات كبيرة في التضاريس والتمويل، ثم حجبته اتفاقية كامب ديفيد، ولكن تلقى قبلة الحياة من ممر تيران الدولي وتسوية غزة بالأرض ليستعيد سيرته الأولى! إنه ظهور لذنب العقرب التلمودي بحرب القيامة، للربط بين البحرين الأحمر والأبيض من ميناء إيلات (أم الرشراش) على خليج العقبة، مروراً بوادي عربة بين جبال النقب والمرتفعات الأردنية، إلى ميناء عسقلان في البحر الأبيض المتوسط. وأخيراً تم تعديل المسار ليصل إلى ميناء (بن جوريون) الذي سيقام على أنقاض ميناء الصيد في ساحل غزة، وذلك لاختصار المسافة وتخفيض التكلفة، والتشبيك مع المسارات بين مشروعات دول الخليج العربية لنقل البترول والغاز الطبيعي والهيدروجين (وأخرى) إلى الدول الأوروبية.
يحلو للبعض ربط دراما القناة الإسرائيلية برفض القاهرة خطة التهجير لسيناء! وإنما هو مشروع ترامب الاستثماري التخيلي في الجنة التكنولوجية العالمية (غزة)، بتحايل المقاول، لإغراء قادة العرب وتجميل ذلك السفور الجيوسياسي لصالح الشعب الفلسطيني! والهدف اختطاف الدولة العبرية عقدة النقل الرئيسية بين الشرق والغرب! ودمجها بالممر الاقتصادي الأمريكي المضاد لمشروع الصين (الحزام والطريق)، وكانت العقبة سورية فتم إسقاط نظام الحكم فيها (خطة بن جوريون)! ولكن هناك صعوبات تواجه تلك القناة في الموازنة بين المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي والاستدامة البيئية، مع التقدير الاستراتيجي لمستقبل قناة السويس والميزات النسبية من تحالف الشرق الجديد ومجموعة بريكس واستشراف المستقبل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!