كيف نصلح الزراعة الأفريقية؟

محمد التفراوتي3 فبراير 2023آخر تحديث :
كيف نصلح الزراعة الأفريقية؟

آفاق بيئية : صفية بولي وأوميد قصيري

نيروبي- أبرزت جائحة كوفيد-19، التي ازدادت حدة بسبب اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع معدلات التضخم، هشاشة النظم الغذائية في إفريقيا، مما أدى إلى زيادة الجوع بنسبة 60 في المائة في جميع أنحاء القارة في عام 2020 فقط. وما سيزيد الطين بلة هو تغير المناخ، الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تدهور النظم البيئية للمياه العذبة، والأراضي الصالحة للزراعة، مما سيجعل مناطق شاسعة من إفريقيا غير صالحة للعيش فيها.
وفي حين أن الوباء والحرب في أوكرانيا أديا إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي العالمي، ودفعا ملايين الأشخاص إلى براثن الفقر المدقع، وعكسا مسار عقود من التقدم، فإن الوضع أخطر في البلدان الأفريقية ذات الدخل المنخفض. إذ بلغ عدد سكان القارة 1.4 مليار نسمة، ويمكن أن يتضاعف بحلول عام 2050؛ بينما تظل الإنتاجية الزراعية، رغم بوادر التحسن، أدنى بكثير من المعايير العالمية. وقد أجبر هذا الأمر الحكومات على الاعتماد بصورة أكبر على واردات الغذاء، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
ولكن هناك بعض النقاط المضيئة. إذ تمكنت إثيوبيا، والمغرب، ورواندا، على سبيل المثال، من تعزيز الإنتاجية الزراعية من خلال تحديد رؤية لصناعاتها المحلية، والجمع بين أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص، وبناء البنية التحتية اللازمة، والتعلم والتكيف باستمرار. ونتيجة لذلك، زادت هذه البلدان من الإنتاج الزراعي، وحسّنت الأمن الغذائي، وزادت من دخول المزارعين، وعززت قدرة النظم الغذائية المحلية على الصمود أمام الصدمات الخارجية.
لنأخذ على سبيل المثال إثيوبيا، حيث زادت المحاصيل المحلية بنسبة 76 في المائة، وارتفع إجمالي إنتاج الغذاء بنسبة 50 في المائة، منذ إنشاء وكالتها للتحول الزراعي في عام 2010. وفقًا لتقديرات وكالة التحول الزراعي، أنقذت الإصلاحات الزراعية 150.000 شخص من الموت جوعاً، وخفضت من عدد الإثيوبيين الذين يعانون من نقص التغذية بمعدل 11.5 مليون، وانتشلت ما يقرب من 286000 شخص من براثن الفقر.
كذلك، أدت خطة المغرب الأخضر التي أطلقها المغرب في عام 2008 لتحديث الزراعة المحلية، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، إلى تنشيط قطاع الزراعة. وتفيد تقديرات وكالة التنمية الزراعية، التي أنشئت لدعم تنفيذ الخطة، أن الناتج المحلي الإجمالي الزراعي نما بنسبة 5.25 في المائة سنويًا من 2008 إلى 2018، وكان أسرع من الاقتصاد ككل (3.8 في المائة). وقد أدى ذلك إلى زيادة بنسبة 117 في المائة في الصادرات الزراعية، وخلق 342.000 وظيفة جديدة. كما تحسنت إدارة مستجمعات المياه، حيث تضاعفت أنظمة الري بالتنقيط أربع مرات لتصل إلى 542000 هكتار.
ومنذ عام 2004، تعمل رواندا على تطوير خطتها الاستراتيجية لتحويل الزراعة وتنفيذها. وتفيد تقديرات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن كل دولار تنفقه الحكومة على الزراعة يتوافق مع زيادة قدرها 2.05 دولار في الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن البرنامج حقق 730 مليون دولار من المكاسب الاقتصادية بين عامي 2018 و2021، الأمر الذي ساعد على انتشال 1.1 مليون شخص من براثن الفقر. كما حسنت الخطة الاستراتيجية لرواندا من إدارة مستجمعات المياه والحفاظ على التربة.
وما تشترك فيه هذه البلدان الثلاثة هو فهم عميق للتحديات المقبلة، ورؤية واضحة لمواجهتها، والتزام قوي بتطوير آليات الحوكمة الفعالة اللازمة لتنفيذ الحلول. وبناءً على هذه الأمثلة، حددنا أربعة مبادئ أساسية يمكن أن تساعد البلدان الأفريقية الأخرى على إصلاح قطاعاتها الزراعية بنجاح.
أولا، يعد التخطيط المتسق أمرًا بالغ الأهمية. إذ يجب أن تحدد الحكومات مهام واضحة، وأن تحدد أولوياتها، وأن تنسق السياسات، وأن تعبئ الموارد. وفي رواندا، تمثلت مهمة الخطة الاستراتيجية لتحويل الزراعة في استخدام النمو الذي يقوده السوق لإصلاح الزراعة القائمة على الكفاف إلى حد كبير في البلاد. وأثناء إعداد الحكومة لأحدث نسخة من خطتها، المعروفة باسم PSTA 4 )الخطة الاستراتيجية لتحويل الزراعة 4(، عملت مع شركاء التنمية لوضع استراتيجية استشرافية تتماشى مع التزامات رواندا بموجب إعلان “مالابو” للاتحاد الأفريقي وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتركز خطة “PSTA 4” على تشجيع استثمارات القطاع الخاص، والتحول إلى السلع الزراعية عالية القيمة لزيادة الأرباح وجني مكاسب الإنتاجية، بما يتماشى مع الرؤية التي وضعتها الحكومة الرواندية منذ ما يقرب من 20 عامًا.
ثانيًا، لضمان استدامة المشاريع على المدى الطويل، يجب أن يضمن صانعو السياسات دعم كبار القادة السياسيين، والحكومات المحلية ذات الصلة، وأصحاب المصلحة الآخرين مثل شركاء التنمية وجماعات المجتمع المدني. وفي إثيوبيا، أيد رئيس الوزراء، ميليس زيناوي، علنًا إنشاء وكالة التحول الزراعي. وواصلت الحكومات اللاحقة دعم الخطة، حتى أنها أعطت أولوية الوصول إلى العملة الصعبة النادرة لوكالة التحول الزراعي لتمويل الواردات.
ثالثًا، من خلال هيكلة الخطط الزراعية حول منظمة مناسبة للغرض، يمكن للحكومات إنشاء هيكل حوكمة يمكّن الموظفين المهرة من العمل مع جميع أصحاب المصلحة في قيادة جهود التحول. فوكالة التحول الزراعي، على سبيل المثال، تجمع بين الخبرة المحلية والدولية، وتنسق مع الوزارات المسؤولة عن الأراضي، والمياه، والزراعة والصناعة لتطوير السياسة وتنفيذها.
وأخيرًا، يمكن أن تحقق عملية التنفيذ الذي يستهدف النتائج نتائج أفضل. فمن خلال تطوير قاعدة معرفية عميقة بشأن القطاع الزراعي، ثُم التكيف مع ظهور بيانات جديدة، يمكن للحكومات تحديد المكاسب السريعة، والبرامج ذات إمكانات توسع عالية. فالمغرب، على سبيل المثال، وضع خططًا محددة لـ16 منطقة، وخارطة طريق تحدد أكثر من 700 مشروع. ولرصد التقدم المحرز، قام المسؤولون بمراقبة مؤشرات أداء محددة مثل الغلة، والإنتاجية فيما يتعلق بالماشية، والدواجن، وقطاعات أخرى.
إن إفريقيا بالطبع فائقة التنوع. فبلدانها تتنوع من حيث اللغة، والجغرافيا، وحجم السكان، والنظم السياسية، والسياسات الاقتصادية، مما يستبعد نهجًا واحدًا يناسب الجميع. ولكن رغم الاختلاف الشديد بين إثيوبيا، والمغرب، ورواندا، إلا أنها دول تمكنت من تحسين الأمن الغذائي والرفاهية الاقتصادية من خلال الالتزام بالمبادئ الأربعة المنصوص عليها في هذا المقال. ويُظهر نجاحها أن وجود قارة مستدامة وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ ليست ممكنة فحسب، بل قريبة المنال أيضًا.

ترجمة: نعيمة أبروش 
صفية بولي هي المديرة التنفيذية لمبادرة التحول الزراعي الأفريقي ومقرها نيروبي. أوميد قصيري شريك في مكتب شركة McKinsey &Company في نيروبي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2023.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!