المشهد البيئي لعام 2022: خيبات وآمال

محمد التفراوتي3 يناير 2023آخر تحديث :
المشهد البيئي لعام 2022: خيبات وآمال

 

 

 

 

 

آفاق بيئية ؛ نجيب صعب 

جيل اليوم يسرق من قوت أجيال الغد… العالم يستهلك حالياً ما يوازي ضعف طاقة الأنظمة الطبيعية على التجدّد

خِتام المشهد البيئي لعام 2022 كان لرؤساء الوفود والمنظمات الدولية، وهم يصفقون، في مؤتمر التنوُّع البيولوجي الذي عُقِد في مونتريال، مهنئين أنفسهم بما سمّوه «صفقة تاريخية». لكن رؤساء الدول غابوا عن المؤتمر، وبقي الخلاف على توزيع الأعباء والتمويل كما كان عند إطلاق اتفاقية التنوُّع البيولوجي قبل 30 عاماً في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي، وكما حصل في قمة المناخ قبل أسابيع. ويُخفي الخلاف على التمويل وفق خطة تنفيذية واضحة رغبة بعض الدول في التأجيل وتغليب احتساب حجم المساحات المحمية على نوعيتها؛ لضمان استمرار تحكّمها بالموارد الطبيعية في البلدان الفقيرة، أكان للصناعة أم لإنتاج الغذاء والأدوية. فهناك مئات الآلاف من براءات الاختراع والوكالات الحصرية التي تحرم الدول الفقيرة من استخدام مواردها الطبيعية لتضعها في أيدي الشركات الكبرى والمتعددة الجنسية.

مقرّرات مؤتمر مونتريال لم ترتقِ إلى الاستجابة الجدّية لتحذير العلماء من أنه لا يمكن التصدي للتغيُّر المناخي من دون حماية الأنظمة الطبيعية وإصلاح ما تمّ تدميره. فبعد أربع سنوات من التحضير وأسبوعين من المفاوضات، توصّل المجتمعون إلى أهداف غير ملزِمة لحماية 30 في المائة من الموائل الطبيعية وإعادة تأهيل 30 في المائة من الأنظمة الطبيعية المدمّرة على الأرض وفي البحر، إلى جانب «إعادة النظر» في معايير الدعم والإعانات التي تتسبب بأضرار بيئية، والبالغة 500 مليار دولار سنوياً. وهذه النتيجة كانت أقرب إلى التوصيات العامة منها إلى المقررات.

الصين، التي ترأست المؤتمر، تجاوزت مطالبة الدول الأفريقية بآلية تمويل واضحة لتنفيذ التوصيات، وضغطت لتمرير مقررات فضفاضة، في تعبير صريح عن الدور الجديد الذي تطمح إلى لعبه كشريك للاستعمار التقليدي، أو وريث له. فالصين تُغرِق اليوم الدول النامية بالديون تحت غطاء مشاريع التنمية، على خطى دول الغرب الصناعية. ولا بدّ من أنها تضع نصب عينيها أيضاً الموارد الطبيعية التي يمكن أن تتقاسمها في إطار أي اتفاقية للتنوُّع البيولوجي.

مشهد الجفاف الذي لحق بمنطقة الأهوار في محافظة ذي قار بالعراق في 28 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

لكن العام انتهى أيضاً ببعض الإشارات الواعدة. فقد وصلت تجارب الاندماج النووي لتوليد الطاقة النظيفة والمتجددة باستخدام تقنية اللايزر إلى نقطة حاسمة، حيث تمكّن العلماء في الولايات المتحدة لأول مرة من توليد طاقة صافية تفوق تلك المستخدمة لإنتاجها. وتتابع مراكز أبحاث الاندماج النووي في مناطق أخرى من العالم – وأبرزها في إطار برنامج تعاون دولي في مختبر يقع جنوب فرنسا – التجارب لتحسين الفاعلية، باستخدام تقنية الحبس المغناطيسي، في محاكاة لإنتاج الطاقة داخل الشمس. وبخلاف مفاعلات الانشطار النووي، ليس لتقنية الاندماج مخاطر من التسرُّب والنفايات المشعّة.

 البيئة وإدارة الموارد على نحو يسدّ حاجات البشر ويؤمّن التوازن بين الكائنات والمحيط الطبيعي. لكن هذا كله لن يفيد ما لم يحصل تبدّل جذري في أنماط الاستهلاك؛ لأن العالم اليوم يستهلك ما يوازي ضعف طاقة الأنظمة الطبيعية على التجدّد؛ مما يعني أن جيل اليوم يسرق من قوت أجيال الغد. لكن المبادرات الفردية والحملات الاستعراضية السنوية لترشيد الاستهلاك لا تكفي؛ إذ إن المطلوب قوانين صارمة تضع حدّا للهدر على جميع المستويات، سواءٌ في استهلاك الطاقة أو الري أو الغذاء. وإذا لم نفعل هذا سريعاً، فما نربحه في التكنولوجيا سنخسره في أنماط الاستهلاك، مع عالم سيصل قريباً إلى عشرة مليارات نسمة. فلتكن 2023 سنة ترشيد الاستهلاك للحفاظ على هذا الكوكب المهدّد.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!