آفاق بيئية : مايكل فرومان*
قبل أقل من 12 شهراً، اجتمع قادة القطاع الخاص في المنتدى الاقتصادي العالمي في جو من التفاؤل؛ واختُتم اللقاء بسلسلة من الالتزامات الجديدة لإعادة تنشيط الكفاح ضد تغير المناخ. وأعلن القادة عن أهداف طموحة وخطط جريئة. ثم اندلعت جائحة كوفيد-19.
وبسبب ضراوة الوباء وتأثيره الواسع النطاق، فقد عطل الحياة والأعمال بطرق لم نشهدها في حياتنا؛ حيث اضطر العالم إلى اتخاذ إجراءات صارمة، بما في ذلك الإغلاق الاقتصادي، ووضع قيود على السفر، وإغلاق المدارس، وما إلى ذلك، في مسعىً منه لحماية نفسه. ووسط الكثير من المعاناة الإنسانية، هناك تناقض في حقيقة أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية قد تراجعت هذا العام بمقدار قياسي. وعلى الأقل شهدنا الآن جميعًا التأثير المحتمل للعمل الجماعي.
ولكن يجب ألا نتعامل مع التطورات المؤقتة على أنها وضع طبيعي جديد. فبعد طرح لقاحات كوفيد-19 وكسب العالم أول لمحة عن الخروج من الأزمة، يجب علينا رسم مسار جديد نحو التعافي الشامل، وضمان ألا يؤدي السباق لإعادة ضبط الاقتصاد إلى عكس التقدم المحرز في مجالات أخرى- خاصة المناخ والبيئة.
وإذا كان هذا العام قد أظهر لنا أي شيء، فهو أن الناس وصحة الكوكب ورفاهه مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. إن مواجهة التهديدات العالمية التي نواجهها تتطلب إجراءات عاجلة ومنسقة. وبدلاً من أن يكون كوفيد -19 بمثابة ذريعة لتأجيل الالتزامات البيئية، يجب أن يكون تأكيداً على مدى أهمية إعادة كل منظمة عامة وخاصة لتقييم تأثيرها البيئي، وإعادة تأكيد التزاماتها.
منذ زمن طويل ونحن نعلم أن أزمة المناخ تتطلب العمل الجماعي. إذ خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ الذي انعقد في كوبنهاغن، في عام 2009، وفي باريس في عام 2015، وضعت الحكومات جانبًا وجهة النظر القائلة بأن تغير المناخ هو مسؤولية الدول الصناعية الغنية فقط. ورغم أن هذه البلدان ساهمت بالطبع في انبعاثات تراكمية بمعدلات تتجاوز بكثير نظيراتها في العالم النامي، فقد تحمل جميع الموقعين على اتفاقية باريس مسؤولية جماعية لمعالجة المشكلة.
وحسب تقرير لمركز (بيو) للأبحاث الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، يقول 70٪ من الأشخاص في 14 دولة أن تغير المناخ يشكل تهديدًا كبيرًا. ومع ذلك، نظرًا لتصاعد الاستقطاب السياسي في العديد من البلدان، توقف التقدم منذ عام 2015 أو، على أفضل تقدير، لم يكن متسقا. ومع أن النُهُج المتعددة الأطراف مثل إطار عمل باريس لا تزال حاسمة، فقد أصبح من الواضح أن الإجراءات الحكومية وحدها لا تكفي لمنع الاحتباس الحراري من تجاوز درجتين مئويتين (مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة). إننا بحاجة إلى طرق بديلة للمضي قدمًا.
إن الشباب يدفعون القادة السياسيين لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة بشأن تغير المناخ، ويطالب المستهلكون بمزيد من الشفافية من الشركات حول دورهم في التسبب في مشاكل اجتماعية وبيئية وجهودها لمعالجتها. وعبّرت الشركات ودوائر الأعمال عن تطلعات تبشر بالخير، مثل تلك التي تدعم حملة تريليون شجرة التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي، وهي استجابة شاملة لعدة قطاعات لدعم مبادرة العقد لللأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي.
إن المهمة الآن هي تنفيذ هذه المبادرات على نطاق واسع. لقد كانت هناك شكوك سليمة حول ما إذا كان بإمكان الشركات متابعة بيانات “الغرض” الخاصة بها واستمرارها في ذلك، وحول من سيحاسبها إذا لم تفعل ذلك. ولكن الحقيقة هي أن الشركات لم تعد قادرة على التخلص من فك الهدف عن الربح. ولا يمكن تحقيق الاستدامة إلا عندما يتم تضمينها على أنها ميزة أساسية لاستراتيجية نمو الشركة، بدلاً من التعامل معها على أنها مسألة خيرية ثانوية.
ومن المؤكد أن المساهمين مارسوا ضغوطًا متزايدة على الرؤساء التنفيذيين لتوثيق التقدم المحرز في تحقيق الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة، كما أدى حرص الشركات على إظهار أنها “تؤدي دورها” إلى تأجيج بعض المنافسة السليمة حيث تتسابق الشركات لتلبية المعايير البيئية المشتركة. ولكن هذا لا يكفي. إذ تحتاج الشركات إلى النظر إلى ما وراء جدرانها وتحمل مسؤولية جلب الآخرين- من مختلف القطاعات والخلفيات وخارج الحدود.
ومثل هذا الالتزام لا يمكن أن يأتي في وقت قريب. فرغم تقليص النشاط الاقتصادي في عام 2020، استمرت الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ في الزيادة من حيث تواترها وشدتها. وتقول المراكز الوطنية للمعلومات البيئية، أنه في عام 2020، كان هناك ما لا يقل عن 16 حدثًا مناخيا تسبب كل واحد في خسائر تجاوزت مليار دولار- وهذا فقط في الولايات المتحدة. وكان هناك 6.6 من هذه الأحداث سنويًا بين عامي 1980 و2019، في المتوسط؛ لكن هذا الرقم ارتفع إلى 13.8 في الفترة 2015-2019.
ولا يمكن أن يحدث العمل المناخي الحقيقي والقابل للتطوير إلا إذا اجتمع القطاعان العام والخاص وراء خطط منفذة بصورة مشتركة. وتتمتع الشراكات والمبادرات بين القطاعين العام والخاص، على النحو المبين في هدف التنمية المستدامة السابع عشر للأمم المتحدة، بميزة الاستفادة من التغييرات الأساسية في السياسات، ونماذج الأعمال القابلة للتطوير لمواجهة التحديات العالمية الخطيرة.
وفضلا عن ذلك، تخلق هذه الشراكات نوعًا خاصًا من “تأثير الشبكة”. إذ تُظهر جهود مثل التزام Microsoft (ميكروسوفت) بالاستثمار في المناخ بقيمة مليار دولار كيف يمكن للشركات توحيد قواها لدعم البرامج الحالية التي هي في حاجة ماسة إلى رأس المال من أجل التوسع في الأسواق. ومثال آخر هو تحالف Priceless Planet (برايسليس بلانيت) لماستركارد. وتجمع هذه المبادرة بين الحكومات والمنظمات غير الربحية والشركات لزراعة 100 مليون شجرة في إطار جهود إعادة التشجير الأوسع نطاقا، وتدفع بفكرة التعاون خطوة إلى الأمام من خلال مساعدة المستهلكين على فهم تأثيرهم على الانبعاثات، وتوفير وسيلة تمكنهم من المشاركة مباشرة.
وعن طريق العمل بانسجام، يمكننا إزالة المخاطر من الجهود الفردية، وتضمين المعايير البيئية في الأنشطة التجارية الأساسية، وإنشاء نماذج أعمال جديدة مستدامة، وتحقيق النطاق المطلوب لتأمين مستقبل كوكبنا. وبالإضافة إلى تقديم مواردنا وخبراتنا، يجب علينا متابعة العمل الجماعي لاستعادة التوازن بين الإنسانية والطبيعة قبل فوات الأوان. وإذا تصرفنا بمعزل عن الآخرين، فسنفشل جميعا.
*مايكل فرومان ، الممثل التجاري للولايات المتحدة أثناء إدارة الرئيس باراك أوباما ، هو نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس النمو الاستراتيجي في Mastercard.
ترجمة: نعيمة أبروش