آفاق بيئية : لارس هيكينستن – مارشا ماكنوت – يوهان روكستروم
ينبغي أن يُذكرنا الإعلان عن الفائزين بجائزة نوبل لهذا العام بمساهمات العلوم الأساسية في الحياة المعاصرة. نظرًا إلى اجتياح جائحة كوفيد 19 جزءًا كبيرًا من البشرية، وفي ظل انتظار العالم بفارغ الصبر لاكتشاف من شأنه إنهاء هذه الجائحة ، لم يعد بوسعنا اعتبار العلم أمرًا مفروغًا منه. من جانبه، استجاب المجتمع العلمي العالمي لهذا التحدي بطرق غير مسبوقة، ليس فقط لتطوير اللقاحات والعلاجات والتشخيصات، ولكن أيضًا لتحسين فهمنا لهذا الفيروس وأفضل الاستراتيجيات لحماية أنفسنا.
ومع ذلك، يعاني العالم أيضًا من أزمات أخرى لا ينبغي تجاهلها. كان الشهر الماضي أدفأ شهر سبتمبر / أيلول تم تسجيله على الإطلاق. يعاني عشرات الملايين من الناس حول العالم بالفعل من الآثار الكارثية للتغيرات المناخية بفعل الأنشطة البشرية، بدءًا من حرائق الغابات المُتفشية وارتفاع منسوب مياه البحر إلى موجات الحرارة الخطيرة والجفاف والفيضانات. نظرًا إلى انبعاثات الغازات الدفيئة الحالية والمُتوقعة، فقد أصبحت الأعراض المُماثلة الأكثر خطورة لا مفر منها، وقد يصعب عكس الزيادة في وتيرة وكثافة العديد منها.
من ناحية أخرى، تتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية بشكل ملحوظ. فقد ألحقت الجائحة أضرارًا بالغة بالاقتصادات في العديد من البلدان، وأدت إلى تفاقم العديد من أشكال عدم المساواة، وزرعت عدم الثقة والاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم. أصبحنا نعتمد أكثر من أي وقت مضى على التكنولوجيا في إدارة حياتنا اليومية لتعليم أطفالنا والتواصل مع الآخرين، ولكن لا يزال يتعين علينا بذل المزيد من الجهود لمنع استخدام نفس التقنيات لنشر المعلومات المُضللة الخطيرة، وتأجيج الاضطرابات الاجتماعية، والتخلي عن المجتمعات الضعيفة بشكل أكبر.
مثلما اجتمع العلماء والباحثون معًا بطرق غير مسبوقة لمكافحة الجائحة ، يتعين علينا أيضًا حشد أفضل وأذكى الخبراء للتعامل مع حالات الطوارئ العالمية الأخرى. كما هو الحال مع جائحة كوفيد 19، لا يمكن التغلب على هذه التحديات في أي مكان حتى يتم التغلب عليها في كل مكان.
بناءً على الدروس المُستفادة من الاستجابة العالمية للوباء والجهود المبذولة لتحقيق الانتعاش، ستستضيف منظماتنا قمة جائزة نوبل الافتراضية الربيع المقبل حول موضوع “كوكبنا، مستقبلنا”. سيجمع الحدث الحائزين على جائزة نوبل وكبار المفكرين وصناع السياسات ورجال الأعمال المُبدعين والقادة الشباب لمناقشة كيفية إحراز تقدم نحو مكافحة مشاكل تغير المناخ وعدم المساواة والأضرار المحتملة للتكنولوجيات الجديدة القوية. سيكون الهدف النهائي هو خلق مستقبل أكثر مرونة واستدامة للجميع.
في عصر الأنثروبوسين، نُدرك أن البشرية أصبحت أهم قوة على هذا الكوكب. يجب أن ندرك أيضًا أن انتهاكنا للطبيعة هو القاسم المشترك لجميع الأزمات العالمية القائمة. هناك مجموعة متزايدة من الأدلة على أن ليس تغير المناخ فحسب، بل أيضًا تفشي الأمراض مُرتبط بالتنمية البشرية وفقدان التنوع البيولوجي.
مع تآكل الحواجز الطبيعية بين البشر والحيوانات الحاملة للأمراض، يمكن أن تصبح الأوبئة التي لا تقل خطورة عن الأوبئة الحالية أكثر احتمالاً. نظرًا إلى أننا نعيش في عالم مترابط كهذا، فإن ما يبدأ كحالة طوارئ محلية للصحة العامة يمكن أن يتحول سريعًا إلى أزمة اقتصادية عالمية لها تداعيات اجتماعية بعيدة المدى.
وبالتالي، ينبغي أن تكون الأزمة الحالية لحظة تحول للبشرية. نحن نرى بشكل مباشر مدى اعتماد مستقبلنا الشخصي على الصحة والسلامة الجماعية للبشرية جمعاء وللطبيعة. على الرغم من أن العلم لا يمكنه تقديم جميع الإجابات، فمن الواضح أنه أهم أداة لدينا، ليس فقط للحد من انتشار الجائحة ، ولكن أيضًا لبناء قدر أكبر من المرونة في بنيتنا التحتية واقتصادنا.
وبالمثل، قدمت لنا جائحة كوفيد 19 العديد من الدروس التي ستكون مفيدة في التحضير لمستقبل يتميز بتغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والاضطراب التكنولوجي وعدم المساواة. على سبيل المثال، كما شهدنا في العديد من البلدان، عرفت الطبيعة “انتعاشًا” سريعًا خلال المراحل الأولى من الجائحة بسبب عمليات الإغلاق على مستوى المجتمع. كما رأينا أن الفيروس وتداعياته الأوسع نطاقا قد أثرت على المواطنين الأكثر ضعفًا بشكل غير متناسب، بما في ذلك الأقليات العرقية والفقراء. يتعين علينا الآن النظر في ما تنبؤنا به هذه الآثار غير المتكافئة حول بنيتنا التحتية الحالية والترتيبات الاجتماعية. كيف يمكن إعادة تصور المؤسسات لضمان قدر أكبر من المساواة للجميع؟
لقد أدركنا أيضًا أن ثقة الناس في العلم أمر بالغ الأهمية، كما هو الحال مع الفهم الأساسي للمخاطر وعدم اليقين. بدون دعم الشعب، ستكون لدينا فرصة ضئيلة للإدارة السياسية الفعالة للأزمات المستقبلية. أدت المعلومات المُضللة – التي يتم نشرها على نطاق واسع بمساعدة تقنيات المعلومات والاتصالات الحالية – إلى ظهور “جائحة معلوماتية” أثناء الجائحة، مما ساهم في تراجع ثقة الشعب في العلوم وجعل احتواء الفيروس أكثر صعوبة على مسؤولي الصحة العامة. كيف يمكننا محاربة الروايات الكاذبة أو المُضللة ونقل النتائج العلمية بشكل أكثر فعالية إلى صناع السياسات والشعب؟
على الرغم من أن احتفالاتنا بالحائزين على جائزة نوبل لهذا العام ستقام على نحو افتراضي، إلا أنها لن تكون أقل حماسًا مما كانت عليه في الماضي. وعلى الرغم من “الجائحة المعلوماتية”، فقد ازداد تقدير معظم الناس للعلم خلال هذه الأزمة. اجتمع العلماء كما لم يحدث من قبل للمساعدة في وقف جائحة كوفيد 19. للتغلب على الجائحة ومواجهة التحديات العالمية الأخرى التي نواجهها، علينا حذو حذوهم – واتباع توجيهاتهم.
بروجيكت سنديكيت
* لارس هيكينستن هو المدير التنفيذي لمؤسسة نوبل.
*مارشا ماكنوت هي رئيسة الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم.
*يوهان روكستروم مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ وأستاذ علوم نظام الأرض بجامعة بوتسدام.