الإنتقال إلى الطاقات المتجددة بالعالم العربي ليست خيار إنها ضرورة

محمد التفراوتي23 يونيو 2020آخر تحديث :
الإنتقال إلى الطاقات المتجددة بالعالم العربي ليست خيار إنها ضرورة

آفاق بيئية : حمزة ودغيري

النفط والغاز والفحم هي المصادر الرئيسية للطاقة في العالم، وكانت وراء دفع عجلة التقدم الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، وأدّى الإفراط في استخدام هذا النوع من الطاقة إلى ظهور ما يعرف بالاحتباس الحراري، إذ ترتفع درجة حرارة الكوكب بفعل انبعاثات الغازات الدفيئة ، ممّا يؤدّي إلى تغيّر المناخ، وهو ما يهدّد استمرار رفاهية سكّان الأرض، بل حتى وجودهم، خصوصا الأجيال المقبلة، ولضمان تلبية احتياجات هذه الأخيرة دون الإضرار بالتوازن البيئي وتحقيق التنمية المستدامة، جاءت الحاجة إلى البحث عن وسائل بديلة للطاقة، وأضحى السبيل الوحيد حاليا هو الانتقال نحو الطاقات المتجددة (النظيفة)، وهذا ما يعمل عليه أغلب دول العالم، إذ تخطّط لتوفير احتياجاتها الطاقوية باستخدام الطاقة البديلة، والمجتمع الدولي يدعو إلى الانتقال الكامل 100% بحلول سنة 2050 .

هذا ما جعل العالم يشهد خلال العقود الأخيرة تطورا مذهلا في الطاقات المتجددة خاصة طاقة الرياح والشمس، وقد ساعد في تسريع تعميم استخدامات الطاقة المتجددة ، انخفاض تكاليف إنتاجها، وارتفاع أسعار النفط، ونضوب الطاقة الأحفورية التي أصبحت واقعا محتوما حسب أخر التقديرات.

فكيف يستعد العالم العربي لهذا التحول الطاقي ؟ الذي يعتبر من أكثر مناطق العالم تنوعا من حيث موارد الطاقة الأحفورية وكذا مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بفضل توفره على مستوردين للطاقة وكذلك أنظمة اقتصادية مصدرة للطاقة الأحفورية المتمركزة أغلبها بالخليج العربي، والتي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للناتج الوطني الخام، بإنتاجها لأكثر من 30% من مجمل إنتاج النفط و%16 في المئة من إنتاج الغاز العالمي وامتلاكها أكثر من %45 في المئة من الاحتياطات النفطية و %42 من احتياطات الغاز العالمي، مما يضعها ضمن أقل البلدان كفاءة على الصعيد العالمي في استغلال الطاقة وتصنيفها بين أعلى دول العالم المنتجة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون، وهذا يجعلها غير محصنة اقتصاديا واجتماعيا مستقبلا باعتمادها المفرط على النفط والغاز، في ضل الحرب الذي يشهدها العالم ضد الوقود الاحفوري وتخليه تدريجيا عليه واعتماد اقتصادات خالية من الكربون، وهذا سيعني انخفاضا في الطلب على البترول.

أمام هذه التحديات هناك فرص كبيرة تتوفر عليها المنطقة العربية لمواكبة التحولات في مجال الطاقة، يجب استغلالها، ولا أجد تفسيرا لتصنيف المنطقة العربية الأقل اعتمادا على مصادر الطاقة المتجددة في العالم، مع تمتعها بمؤهلات طبيعية تتمثل في سطوع شمسي على الأرض، وإعتبارها أفضل مناطق العالم لمشاريع الطاقة الشمسية بسبب اتساع رقعة الصحارى فيها، وكذا مشاريع حقول الرياح بتوفر سرعة رياح بين معتدلة ومرتفعة، وموارد مائية صالحة لتوليد الكهرباء، للأسف ما زالت متأخرة في الاستفادة منها ، إذا ما استثنينا انخراط عدد من الدول العربية في هذا المجال من خلال مشاريع وسياسات مهمة قطعت خطوات نحو تعزيز الطاقة المتجددة، حيث اعلنت 12 دولة عربية عن أهداف للطاقة المتجددة بينها الإمارات والأردن والجزائر ومصر والسعودية ومصر وتونس… التي حددت أهدافا طموحة تتجاوز 20 في المئة من مزيج الطاقة، وأبرزها هدف المغرب للطاقة المتجددة البالغ %52 من مزيجه الطاقوي بحلول سنة 2030 والذي يعتبر الأكثر طموحا في المنطقة العربية، حيث عمل ويعمل على إقامة حقول شمسية ومزارع رياح ووضع سياسات متقدمة في المجال. .

وتبقى الإمكانات المتاحة لبعض البلدان العربية أعلى كثيرا من الطاقة التي تولدها أو تطمح لتوليدا، تمكنها بأن تتخلّى عن الطاقة الأحفورية بشكل نهائي، وعلى سبيل المثال تعتبر مقدار الطاقة الشمسية الساقطة على أراضي العالم العربي من الخليج إلى المحيط أكبر من مخزون النفط  فيها، لو استطاع العالم العربي استغلال جزء صغير منها لكانت بين يديه طاقة يصدرها بأكثر مما يصدر من الطاقة الأحفوري و بأقل كلفة اقتصادية ،بالإضافة إلى خلق مهن خضراء وتنمية رأس المال البشري، وغير ذلك من الفوائد التي يمكن جنيها.

وحقيقة الأمر أن استثمارات وسياسات الدول العربية الخجولة في مجال الطاقات المتجددة ترافقها استثمارات في الطاقة الأحفورية، الأمر الذي يمكن تفسيره حسب رأيي، بعدم وضوح رؤيتها بمدى قدرتها معالجة النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سوف تترتب على الانتقال الطاقي ، ومن جهة أخرى بضغط الشركات البترولية التي تجني ثروات طائلة من الاستثمارات، بالإضافة إلى الدعم السخي للوقود ولأسعار الكهرباء الذي يصل إلى 95 في المئة أحيانا، يمنع التطويرالواسع للطاقة المتجددة ويحول دون تحسن كفاءة الطاقة.

وبالتالي سيظل الانتقال الطاقي هوالتحدي الأكثر أهمية في السنوات القادمة بالعالم العربي، وعلى الحكومات أن لا تضيع فرصة استغلال السنوات القليلة القادمة على أفضل وجه، بالاستثمار في الطاقات المستدامة، ومواكبة أحدث التقنيات الرائدة وتقوية القدرات والكفاءات وإعداد مجتمعاتها لتكون مستعدّة لتغيير طريقة استخدامها للطاقة بحيث تكون صديقة للبيئة، لأننا مقبلون على تحولات غير مسبوقة، وعصر جديد، ولعل التغيّر المناخي وتكاليف الكوارث الناجمة عن التدهور البيئي وقيمة الحياة الإنسانية، كافية لنتيقن أن التحول نحو الطاقة النظيفة أمر لا يحتاج إلى التردد وهي أبرز الأسباب التي تدعو المجتمع الدولي بكل مكوناته إلى العمل الآن دون تأخير لتحقيقه.

*حمزة ودغيري : رئيس شبكة العمل المناخي بالعالم العربي  و ناشط مغربي في مجال البيئة والمناخ

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!