آفاق بيئية : شاتيب البصري / ريما هانا / بنجامين أولكن
بالإضافة إلى الخسائر الصحية والبشرية التي أوقعتها، تهدد جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) بإهدار قدر كبير من التقدم الذي حققته البلدان النامية في الحد من الفقر على مدار السنوات العشرين الأخيرة. والآن هناك احتياج إلى إنفاق جديد ضخم لحماية أولئك الأشد تضررا من الأزمة. مثلها كمثل الاقتصادات المتقدمة، كشفت العديد من البلدان النامية عن برامج جديدة أو موسعة لاستباق الانهيار الاقتصادي ومنع انتشار الجوع على نطاق واسع. لكن العديد من هذه البلدان لم تتمكن من الاقتراب من حجم الإنفاق المشهود في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة. وقد تواصلت بالفعل 100 دولة على الأقل مع صندوق النقد الدولي طلبا للمساعدة.
الواقع أن أحد أنماط التمويل الواعدة لم يحظ بعد بالقدر الكافي من الاهتمام. يمثل انهيار أسعار النفط فرصة فريدة لإلغاء إعانات دعم الوقود الأحفوري إلى الأبد. وهذا لن يساعد في مكافحة تغير المناخ وحسب، بل ومن شأنه أيضا أن يسمح للحكومات بتوجيه قدر أكبر من الإنفاق إلى الفقراء وتمويل الديون المرتبطة بالأزمة.
على مدار عقود عديدة، كانت بلدان عديدة ــ من الإكوادور إلى إندونيسيا ــ تدعم البنزين وأشكال الوقود الأخرى، عادة من خلال تحديد السعر المدفوع عند المضخة. بموجب هذه السياسة، عندما ترتفع أسعار النفط، ترتفع معها أيضا فاتورة الدعم الحكومي، لكن السعر عند المضخة يظل على حاله.
تاريخيا، كان دعم الوقود يحظى بشعبية كبيرة في العالم النامي، حيث تتسبب القطاعات غير الرسمية الكبيرة والافتقار إلى حِـفظ السجلات والدفاتر في زيادة الصعاب التي تواجهها الحكومة في تحديد من يستحق وصف فقير. قبل قدوم الأموال المتداولة على الأجهزة المحمولة والخدمات المصرفية الموسعة، كان تقديم النقد والغذاء بشكل مباشر إلى المواطنين يميل إلى فتح الباب للفساد. وقدمت إعانات دعم الوقود طريقة للالتفاف حول هذه المشكلة، لأن الجميع كان بوسعهم أن يستفيدوا إذا اشتروا الوقود، وكانت هذه الفائدة متمثلة بوضوح في السعر عند المضخة.
المشكلة بطبيعة الحال هي أن دعم الوقود يشجع استخدامه بإفراط، وهو ما تترتب عليه عواقب بيئية مروعة. كما يشير أهل الاقتصاد في كثيرا من الأحيان، ينبغي لنا بدلا من دعم الوقود أن نفرض عليه ضريبة لمعالجة هذه العوامل الخارجية. تشير تقديرات نشرتها دراسة حديثة إلى أن إلغاء دعم النفط والغاز وحده من الممكن أن يخفض انبعاثات الكربون العالمية بنحو 5% إلى 6%، وبنحو 28% إذا ألغيت إعانات دعم الفحم أيضا.
من الواضح أيضا أن إعانات دعم الوقود طريقة غير فعّـالة لمساعدة الفقراء، وخاصة الآن بعد أن أتيحت طرق أفضل لاستهداف وتوزيع الفوائد. في حين تستفيد الأسر الفقيرة وتلك المنتمية إلى الطبقة المتوسطة الدنيا من الوقود المدعوم، فإن الاستفادة التي تجنيها الأسر من الطبقة المتوسطة والأسر الأكثر ثراء أكبر كثيرا، لأنها تميل إلى شراء كميات أكبر من الوقود. وفقا لمراجعة 2015 في صندوق النقد الدولي، تحصل أغنى 20% من الأسر على ستة أضعاف الفوائد المتحصلة من إعانات دعم الوقود لأفقر 20% من الأسر. وغالبا ما يكون دعم الوقود باهظ التكلفة، وخاصة عندما تكون أسعار النفط مرتفعة. على سبيل المثال، أنفقت إندونيسيا 3.1% من ناتجها المحلي الإجمالي على إعانات دعم الوقود في عام 2018، ولكن 1.4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة في ذات العام.
على الرغم من عيوبها الواضحة، استمرت هذه السياسات في العديد من البلدان. في الأوقات العادية، يعني إلغاء الدعم أن أسعار الوقود ستقفز بشكل كبير، ويستفز هذا غالبا الاحتجاجات على نطاق واسع. وقد يؤدي أيضا إلى لتضخم إذا فسر الجميع ارتفاع أسعار الوقود كإشارة إلى تعديل أسعار أخرى.
لكن الوقت الحالي ليس عاديا. ففي حين أثرت التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة على أغلب الأسواق المالية، كانت الضربة التي تلقتها أسعار النفط العالمية كبيرة بشكل خاص. فقد انخفضت أسعار النفط الخام الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) بمقدار النصف على الأقل، من نحو 60 دولارا للبرميل قبل الأزمة إلى حوالي 25 إلى 30 دولارا للبرميل. وعند مرحلة ما خلال أزمة كوفيد-19، بلغت أسعار النفط أدنى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية.
هذا يمثل فرصة غير مسبوقة لإلغاء دعم الوقود إلى الأبد. الواقع أن أسعار النفط التي بلغت مستويات متدنية للغاية تعني أن العديد من البلدان بات بوسعها أن تسمح للسوق بتحديد أسعار الوقود دون إحداث أي تغيير في السعر عند المضخة. وبمجرد تعافي الطلب العالمي على النفط (وبالتالي أسعاره)، فلن تظل هذه البلدان ملزمة بتحمل مليارات الدولارات من إعانات دعم الوقود كل عام. ثم يمكن استخدام هذه المدخرات لسداد الديون المستحقة نتيجة لجائحة كوفيد-19، وتمويل برامج المساعدات الاجتماعية في المستقبل. وبذات القدر من الأهمية، لن تظل هذه البلدان مضطرة إلى دعم جهود تخفيف أزمة المناخ بقوة.
ينبغي للحكومات أن تسمح لأسعار الوقود بالتحرك بحرية قبل أن تنغلق نافذة الفرصة الحالية. تعلمت إندونيسيا هذا الدرس بالطريقة الصعبة. ففي عام 2008، في أعقاب انخفاض أسعار النفط العالمية نتيجة للأزمة المالية، خفضت الحكومة إعانات دعم الوقود وعدلت أسعار الوقود المحلية، لكها أبقت على أسعار الوقود ثابتة. وعندما ارتفعت أسعار النفط خلال فترة التعافي، اضطرت الحكومة فجأة إلى البدء في إنفاق مليارات الدولارات على إعانات دعم الوقود.
تكررت هذه الدورة بعد بضع سنوات. أثناء توليه منصب وزير المالية في إندونيسيا في عام 2013، اقترح أحدنا (بصري) خفض إعانات دعم الوقود والسماح لأسعار الوقود بالتحرك بحرية. ولكن برغم أن الحكومة كانت على استعداد لاتخاذ الخطوة الأولى، فإنها قررت في نهاية المطاف مرة أخرى الإبقاء على الأسعار ثابتة. وعندما ارتفعت أسعار النفط، وجدت شركة النفط الحكومية ذاتها ملزمة بتحمل مليارات الدولارات في هيئة إعانات دعم الوقود.
الحق أن أسعار النفط المنخفضة إلى مستويات غير مسبوقة اليوم تتيح تغييرات من شأنها أن تساعد في تخفيف تغير المناخ لفترة طويلة في المستقبل. كما سيساعد إلغاء إعانات الدعم في تحرير الميزانيات الحكومية عندما تبدأ أسعار لنفط في الارتفاع. ويتعين على حكومات البلدان النامية أن تغتنم الفرصة، للمساعدة في تمويل الاستجابة للجائحة وتوفير التحويلات الموجهة إلى أولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها.
بروجيكت سنديكيت / ترجمة: مايسة كامل