آفاق بيئية :تيودور ألكسيس
لقد بدأت بالفعل لعبة توجيه اللوم فعدد ضحايا كوفيد-19 ما يزال غير معروف ولكن هناك تيار من الكراهية والمعلومات الخاطئة ينتشر حاليا . ان ضرر المعلومات الخاطئة وضرر الفيروس نفسه على العائلات والمجتمعات يعكس فشلنا في التحقق من ان العلم وليس الكلام هو الذي يشكّل السياسات .
لقد أظهرت الدراسات ان الأكثر شيوعا هو ان تنتقل الفيروسات من الحيوان للانسان ويخطىء البعض عندما يقولون ان هذا عائد الى اخطاء بشرية بريئة ولكن هناك دليل على ان المحافظة على البيئة الطبيعية وتنوعها يقلل من الاتصال بين البشر والحيوانات مما يقلل من احتمالية ان تظهر مسببات جديدة للامراض في البشر. ان فشلنا في التعويل على العلم هو من الاسباب الرئيسية الكامنه لازمتنا الحالية المتعلقة بفيروس كورونا المستجد.
ان الأمراض التي تنقلها الحيوانات اصبحبت اكثر شيوعا مقارنة بإي وقت مضى . لقد وجدت دراسة تم اخضاعها للدراسة والمراجعة من قبل متخصصين في هذا المجال سنة 2017 أن 75% من الأمراض المعدية الناشئة والتي تؤثر على البشر مثل فيروس غرب النيل وايبولا وسارس ومرض لايم هي عبارة عن امراض جاءت من خلال مسببات امراض ذات مصدر حيواني .
لقد ظهرت اخبار عن الامراض التي تنتقل للبشر من الحيوانات على مر التاريخ البشري المسجل. ان سفر صموئيل من العهد القديم يصف وباء الطاعون الدملي قبل وقت طويل من قضاء ذلك المرض على ثلث سكان اوروبا في القرن الرابع عشر للميلاد وفي سنة 2300 قبل الميلاد تسبب داء الكلب ومصدره كلاب الصيد بتدمير بلاد ما بين النهرين . لقد وجد الباحثون الذين راجعوا كتابات بلوتارخ سنة 2003 انه ربما كان سبب وفاة الاسكندر الاكبر في سنة 232 قبل الميلاد هو فيروس غرب النيل والذي انتقل اليه من سرب من الغربان سقط ميتا عند قدميه عندما دخل بابل.
ان دراسة الزيادة في مسببات الامراض ذات المصدر الحيواني توحي بإن مثل تلك الامراض يمكن ان تنتج من تغييرات يتسبب فيها البشر للبيئة الطبيعية . ان التطوير الحضري وتحويل الاراضي الرطبه لاراضي زراعية والتلوث وازالة الغابات تعتبر من العوامل الرئيسية . ان الابحاث المتعلقة بايبولا ربطت تفشي المرض بالممارسات الزراعية حيث عندما تمت ازالة الغابات لزرع المحاصيل اختفت الخفافيش التي تقتات على الحشرات بينما تضاعفت اعداد خفافيش الفاكهة والتي تعتبر المضيف الطبيعي لفيروس الايبولا.
ان التنوع البيئي القوي يعتبر بمثابة حاجز في مواجهة انتقال الامراض للبشر . لقد استنتجت فيليسيا كيسينغ و 12 باحث اخر في مقال نشرته مجلة نايتشر “الطبيعة” سنة 2010 ان المحافظة على الانظمة البيئة السليمة وتنوعها البيئي وحمايتها تقلل من الاتصال بين البشر والحيوانات وظهور مسببات امراض جديدة وانتشار الأمراض المعدية.
ان هذا نتيجة لظاهرة تدعى “تأثير التخفيف” . ان مسببات الأمراض الخطرة تضعف بشكل متزايد في كل مرة تنتقل من جنس حيواني مستضيف الى جنس اخر غير مستضيف وطبقا للعالم الفرنسي سيرجي موراند والذي درس الابعاد الاجتماعية والبيئية للامراض المعدية أنه كلما زادت قوة وصلابة تنوعنا البيئي كلما انخفضت سرعة انتقال الميكروبات مما يعني انها لا تنتقل بسهولة من جنس الى آخر.
إن مزارع تربية الحيوانات هي عامل اخر من العوامل التي تسببت في تفاقم الأمور حيث أشار روبرت لورنس من جامعة جون هوبكنز الى ” ان النموذج الحالي المستخدم حاليا والمتعلق بالانتاج الغذائي من المصادر الحيوانية يعتبر من العوامل الرئيسية في تطور الفيروسات وانتقالها. ان هذا النظام يشكل تهديدات كبيرة للصحة العامة بما في ذلك زيادة خطر الانفلونزا الوبائية.”
انا كشخص أتمتع بالمرونة سوف لن اكرر كلام المتشددين عن خطيئة استهلاك اللحوم ولكن الارقام صادمة ففي كل سنة تتم تربية 70 مليار حيوان في المزارع من اجل استخدامها كغذاء كما يتم انتاج اكثير من 150 مليون طن من الاطعمة البحرية ونصفها تقريبا يأتي من الاستزراع السمكي. ان انتاج مثل هذه الكميات الضخمة يؤدي لضغوطات على التنوع البيئي وذلك نظرا لإن مثل هذا الانتاج يلوث الهواء واليابسة والممرات المائية وعليه عندما يتعلق الامر بالتقليل من انتشار الامراض المعدية مثل كوفيد -19 ، يجب ان نركّز على الطعام الذي نأكله.
عندما تنتهي جائحة كوفيد-19 ، نحن لا نستطيع ان نعود الى حياتنا الطبيعة وكأن شيئا لم يحصل. ان تخزين اجهزة التنفس الصناعية والكمامات لن يحمينا من الجائحة القادمة . ان الطريقة الايجابية الوحيدة من اجل التصرف بشكل جماعي ومسؤول ومن اجل بقاءنا هو التحقق من ان انظمتنا البيئية متنوعة وهذا يعني مراجعة العادات التي تشجعنا على الاستهلاك بطرق اثبتت استحالة استدامتها مما يضر بحياتنا ورفاهيتنا .
لقد تبنت الحكومة الفرنسية سنة 2018 سياسة تمنع استيراد المنتجات المرتبطة بازالة الغابات مثل زيت النخيل ولحوم الابقار والاخشاب وذلك بحلول سنة 2030 كما وضعت سقف اعلى يتعلق بالوقود الحيوي المشتق من المواد الخام التي تساهم في ازالة الغابات. يتوجب على صناع السياسات عوضا عن الانخراط في لعبة توجيه اللوم ان يختاروا نهجا تعاونيا مع الدول المصدرة بما في ذلك استخدام المساعدات التنموية من اجل تشجيعها على التحول الى أساليب انتاجية صديقة للتنوع البيئي . ان الاستراتيجية تشمل كذلك خطة ” صفر ازالة الغابات ” والتي تغطي المشتريات العامة ومتطلبات وضع العلامات التجارية وذلك حتى يتسنى للمستهلكين القيام باختيارات افضل .
لو لم يكن الأمر واضحا قبل كوفيد-19 فهو واضح الان فالمحافظة على البيئة الطبيعية يجب ان يكون على قمة الاولويات على المستوى الوطني . ان هذه الطريقة هي الاكثر فعالية واكثر توفيرا للنفقات من اجل منع اوبئة قادمة والتي يمكن ان تهدد حياتنا وسبل عيشنا .
بروجيكت سنديكيت
*تيودور ألكسيس ، دبلوماسي في وزارة الخارجية الفرنسية ، يشغل حاليا منصب القنصل العام الفرنسي في تورونتو.