آفاق بيئية : أدير تيرنر*
لا تمثل سيارات الركاب سوى 8٪ من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وإذا قمت بشحن سيارة كهربائية (EV) بالكهرباء الناتجة عن محطات توليد الطاقة من الفحم الغير فعال، سيؤدي ذلك إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بقيادة سيارة بنزين أو سيارة ديزل حديثة. لذا يجب الإشارة، كما صرح فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية في دافوس في يناير/ كانون الثاني، إلى أن السيارات الكهربائية وحدها لن تتجنب حدوث تغير مناخي كارثي. لكن السيارات الكهربائية ضرورية للغاية لخفض الانبعاثات. إذا كنت تهتم بالمناخ، يجب عليك شراء سيارة كهربائية.
تعتبر المحركات الكهربائية أكثر كفاءة من محركات الاحتراق الداخلي: في حين يستهلك محرك البنزين أو الديزل أكثر من 70٪ من الطاقة التي يستخدمها كحرارة غير مرغوبة، فإن المحرك الكهربائي يحول 5٪ فقط إلى طاقة حركية. مع انخفاض تكاليف البطاريات إلى أقل من 100 دولار لكل كيلوواط ساعة – وهو ما تتوقع شركة “بلومبيرج نيو إنيرجي فاينانس” (BNEF) حدوثه بحلول عام 2024 – ستصبح السيارات الكهربائية أرخص للتشغيل، وأقل تكلفة للشراء. لذالك، ستهيمن السيارات الكهربائية في نهاية المطاف – وفي وقت أقرب من المتوقع – سواء كنا مهتمين بالمناخ أم لا.
يمكن للسيارات الكهربائية خفض انبعاثات الكربون بشرط أن تكون للكهرباء المستخدمة كثافة كربونية أقل من 800 جرام لكل كيلو وات ساعة. في فرنسا (بمتوسط كثافة حوالي 80 غرامًا)، والمملكة المتحدة (حوالي 250 جرامًا مع انخفاض سريع)، والولايات المتحدة (حوالي 400 جرام) وحتى ألمانيا عالية الكربون (مع حوالي 500 جرام)، ستخفض السيارات الكهربائية بلا شك الانبعاثات، شريطة أن يتجنب المستخدمون شحنها في أوقات تكون فيها الكثافة الهامشية عالية.
في الصين والهند، على النقيض من ذلك، مع متوسط كثافة كربون الكهرباء يبلغ 800 غرام، يمكن أن يكون لانتشار السيارات الكهربائية السريع تأثير سلبي في البداية. لكن ما يهم هو كثافة الكربون للكهرباء المستخدمة طوال عمر المركبة. وبالتالي، فإن الإستراتيجية المثلى هي تشجيع كهربة السيارات مع توليد الكهرباء بانبعاثات خالية من الكربون، مما يجعل انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة ممكنا. وكما تشير التقارير الأخيرة الصادرة عن لجنة تحويلات الطاقة، يمكن للهند خفض كثافة كربون الكهرباء لديها إلى 550 جرامًا لكل كيلووات ساعة بحلول عام 2030، بينما تضاعف استهلاك الكهرباء – وبدون أي تكلفة للمستهلكين.
علاوة على ذلك، فإن احتمالية كهربة المركبات لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكبر بكثير مما يشير إليه معدل 8٪. وتأتي نسبة 8٪ إضافية من الانبعاثات من الشاحنات والحافلات، وستعتمد هذه المركبات أيضا على الكهرباء مستقبلا. وبذلك، سوف تعكس وتيرة الكهربة جزئياً عدد الأشخاص الذين يختارون شراء السيارات الكهربائية. تقدم الاستثمارات الضخمة في مجال ابتكار البطاريات ومقاييس التصنيع، المدفوعة بمشتريات المركبات الكهربائية المتوقعة، تخفيضات في التكاليف وزيادة في كثافة الطاقة مما يجعل الحافلات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والشاحنات ذات المسافات القصيرة أكثر تنافسية. ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻟﺷﺎﺣﻧﺎت التي تقطع ﻣﺳﺎﻓات طويلة، ﻗد ﺗﮐون ﺧﻼﯾﺎ وﻗود الهيدروجين ﻣﻔﺗﺎحا للمسافات البعيدة، ﻟﮐن المحركات ﺳوف ﺗﮐون كهربائية، مما يساعد في ﺗﺣﺳﯾن ﺟودة الهواء ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﺣﺿرﯾﺔ وخفض اﻧﺑﻌﺎﺛﺎت ﺛﺎﻧﻲ أﮐﺳﯾد اﻟﮐرﺑون (إذا تم توليد الكهرباء ﻣن ﻣﺻﺎدر منخفضة الكرﺑون). كما ستلعب تقنيات البطارية أو الهيدروجين الكهربائية دوراً هاماً في النقل البحري والجوي للمسافات القصيرة.
وفي الوقت نفسه، ستقلل ابتكارات البطاريات المدفوعة بارتفاع عدد المركبات الكهربائية في البداية من تكلفة الطاقة الخالية من الكربون. وتقدر شركة “بلومبيرج نيو إنيرجي فاينانس” (BNEF) أن أسعار البطارية قد تنخفض إلى 62 دولار لكل كيلوواط ساعة بحلول عام 2030، مما يمكٌن قطاع المرافق من نشر جميع أنظمة البطاريات بأقل من 150 دولار لكل كيلوواط ساعة، مع بطاريات تخزين الطاقة الفعالة من حيث التكلفة في أنظمة الكهرباء التي تعتمد بشكل متزايد على مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض كثافة الكربون المطلوبة لجعل المركبات الكهربائية جيدة للكوكب.
تُعد التقنيات الأخرى، بغض النظر عن الكهرباء والبطاريات وخلايا وقود الهيدروجين، ضرورية للحد من انبعاثات الكربون. في القطاعات الصناعية الصعبة مثل الصلب والأسمنت والكيماويات، ستكون هناك حاجة لمصادر الطاقة الحيوية واحتجاز الكربون. في مجال الطيران، ستكون البطاريات ثقيلة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها في رحلات طيران عابرة للقارات ما لم يتم تحسين كثافة طاقة البطارية بشكل فعال – ست مرات أو أكثر. قد يصبح وقود الطائرات النفاثة الناتج عن الكهرباء منخفضة الكربون اقتصاديًا، ومن المحتمل أيضًا أن يلعب الوقود الحيوي دورًا مهمًا للغاية.
ولكن في حين أن هناك حاجة إلى تقنيات مختلفة، فإن كل السيناريوهات الممكنة لتحقيق أهداف اتفاق باريس بشأن المناخ تُشير إلى ضرورة استخدام الكهرباء. وتشير تقديرات “Sky Scenario” الصادرة عن شركة شل للنفط إلى أن الكهرباء ستشكل أكثر من 60٪ من الطلب النهائي على الطاقة في أواخر هذا القرن، أكثر من 20٪ اليوم. إذا لم نقم بكهربة أكبر قدر ممكن من المركبات، وتوليد الطاقة المنخفضة الكربون في أسرع وقت ممكن، فلا أمل لنا في تجنب حدوث تغير مناخي خطير للغاية.
وبطبيعة الحال، تأتي المركبات الكهربائية بأشكال وأحجام مختلفة، وكلما زاد حجم السيارة الكهربائية التي تشتريها، وكلما كانت سرعتها فائقة، كلما ازداد خطر تأثير التيار الكهربائي في ارتفاع الانبعاثات. لسوء الحظ، تميل عروض المركبات الكهربائية الحالية نحو السيارات الأكبر والسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات، مع عدد أقل من النماذج الصغيرة والمتوسطة، مما سيؤدي في النهاية إلى خفض الانبعاثات. وهذا يعكس حوافز أرباح شركات السيارات، وصعوبات قطع مسافات طويلة مع بطاريات أصغر، وعدم وجود بنية تحتية كافية للشحن. ولكن البنية التحتية للشحن يمكن ويجب أن يتم بناؤها، وستصبح مجموعة أوسع من أحجام السيارات متوفرة بشكل متزايد.
لذالك، إذا كنتَ تهتم بالمناخ، يجب أن تقوم بشراء سيارة كهربائية، ويُفضل أن يكون حجمها أصغر من التي كنت ترغب بشرائها. وللمساعدة حقا في إنقاذ الكوكب، يجب أن تجمع بين قرار شراء سيارتك المفضلة والدعم السياسي لسياسات إزالة الكربون بشكل سريع والاستثمار في البنية التحتية للشحن على نطاق واسع. لا يمكن لشراء السيارات الكهربائية وحده أن ينقذ الكوكب، لكن القيام بذلك هو بمثابة مساهمة فعالة في إحداث تغييرات أكبر.
* أدير تيرنر ، رئيس هيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة وعضو لجنة السياسات المالية في المملكة المتحدة ، هو رئيس معهد التفكير الاقتصادي الجديد. وآخر مؤلفاته كتاب بعنوان “بين الدين والشيطان”.
المصدر : بروجيكت سنديكيت