خرافة التخلص التدريجي من الوقود الاحفوري

محمد التفراوتي15 ديسمبر 2017آخر تحديث :
خرافة التخلص التدريجي من الوقود الاحفوري

آفاق بيئية : سامويل فرفاري *

ان كيفية استخدام العالم للطاقه هو موضوع ساخن لكوكب يعاني من ازدياد درجات الحراره علما ان المخاوف من التلوث ونقص الموارد قد ادت الى سباق محموم لإيجاد استراتيجيات تتعلق بكفاءة الطاقه فمن الاتحاد الاوروبي الى الصين تحاول الاقتصادات جاهدة التقليل من الاستخدام المكثف للطاقة وذلك بمساعدة الابتكارات التقنيه والتغييرات التشريعيه.

لكن على الرغم من تلك الوعود فإن طلب المستهلكين على الطاقه من المتوقع حسب وكالة الطاقه الدوليه ان يرتفع وذلك حتى سنة 2040 على اقل تقدير ومع ازدياد حاجة العالم للطاقه ،كيف يمكن لصناع السياسات ان يضمنوا العرض ؟

حتى نكون صريحين لا يجب على العالم ان يقلق عندما يتعلق الأمر بالإحتياطات فبعد 40 سنة من الخوف من نقص الطاقة فلقد دخلنا اليوم في عصر الوفره فنحن بحاجه اليوم لإن نحترس من الطروحات الخاطئه وليس من الموارد الشحيحه.

إن الذي يجب ان يتلقى اللوم فيما يتعلق بهذه القصة هو نادي روما وهو عباره عن مركز ابحاث عالمي تسبب في المخاوف المتعلقة بالطاقة في السبعينات وذلك بتنبؤاته السخيفة المبنيه على اساس نماذج مشكوك بها وكتابعين مخلصين لتوماس مالثوس وبول ايرليخ فلقد جادل النادي بإن الاشياء السيئه تأتي من النمو المتسارع والاشياء الجيده تأتي من النمو التدريجي وهذه الفكره اشعلت التوقع بِإن النفط سوف ينفذ من العالم بحلول سنة 2000 .

إن تبني الدول المتقدمه لهذه الفكره العقائديه الخاطئه أدى الى تمكين قاده استبداديين مثل معمر القذافي في ليبيا واية الله روح الله الخميني في ايران من استخدام احتياطهاتهم النفطيه كأدوات من اجل معارضة الغرب وخاصة بسبب دعمه لاسرائيل وهذا ساهم في الصدمات النفطيه في فترة السبعينيات وعزز التصور الخاطىء بإن الإحتياطات الهيدروكبرونيه هي محدوده بشكل اكبر ومحصوره بشكل عام في الشرق الأوسط.

إن التقدم السريع في التقنيه وخاصه في مجال الاستكشاف والقدره على استخراج الهيدروكربون في اماكن جديده ادى في نهاية المطاف الى دحض ذلك الطرح واليوم فإن أزمة الطاقه ليست عائده الى النقص بل الخوف من التلوث.

لكن هذا الخوف لم يبطأ من عاداتنا المتعلقة بالاستكشاف بل على العكس من ذلك فإن السياسات والقانون الدولي مثل معاهدة الامم المتحدة المتعلقه بقانون البحار قد تم تبنيها من اجل تمكين الاكتشاف فلو نظرنا على سبيل المثال لحقل غاز روبوما قبالة ساحل موازمبيق لوجدنا ان هناك مجموعة من الشركات العالميه “كونسورتيوم ” من بلدان تضم ايطاليا والصين تستعد لبدء عملية الانتاج مما يعني ان واحدة من افقر الدول الافريقية هي  في الطريق لجني فوائد عظيمه من وراء ذلك .

إن اسرائيل كذلك والتي كان يعتقد في السابق انها المكان الوحيد في الشرق الاوسط بدون هيدروكربونات تجلس على 800 مليار متر مكعب من احتياطات الغاز قبالة سواحلها اي اكثر من 130 سنه من الاستهلاك السنوي لاسرائيل من الغاز وبعد ان كانت مستورده لصافي الطاقه اصبحت اسرائيل تواجه اليوم التحدي الحقيقي المتمثل بتصدير ثروتها الكبيره من الغاز.

لكن ربما اكبر ثوره في اسواق الطاقه العالميه والتي تحركها التكنولوجيا في السنوات الاخيره قد اتت من انتاج الغاز الصخري والزيت الصخري في الولايات المتحده الامريكيه واليوم تنتج امريكا 8،8 مليون برميل يوميا مما يعني ان انتاج النفط الامريكي هو الان اعلى من العراق وايران معا كما يتم اليوم تصدير الغاز الصخري الامريكي الى اسيا وامريكا اللاتينيه واجزاء من اوروبا وهذه الاسواق كانت مقتصره منذ فتره طويله على قطر وروسيا واستراليا واليوم تدخل صناعة الغاز الطبيعي المسال العالميه مثل سوق النفط مرحلة الانتاج الزائد.

لقد ساهمت هذه التطورات معا في اسعار طاقة اقل وقللت من قوة الاوبيك ونظرا لتفضيل قطاع النقل للغاز الطبيعي المسال (وخاصة شركات شحن البضائع والشحن البحري) لاسباب بيئيه فلقد اختفت القدره على استخدام النفط كسلاح جيوسياسي ولقد كانت ايران في اشد الحاجه لزيادة صادراتها من النفط لدرجه انها وافقت على التخلي عن برنامجها النووي (إن من الملفت للنظر ان الصفقة النوويه مع ايران تتضمن كلمة “النفط” 65 مره ).

يتم عادة تقديم الرياح والطاقه الشمسيه كبدائل عن النفط والغاز ولكنهما غير قادرتين على منافسة المصادر التقليديه لتوليد الكهرباء فلو كان لديهما القدره على ذلك لما كان هناك داعي لقيام الإتحاد  الاوروبي بدعم انتاج الطاقه المتجدده من خلال التشريع وبالاضافة الى ذلك بينما تعمل طاقة الرياح والطاقة الشمسيه على توليد الكهرباء فإن اكبر متطلب للطاقه يأتي من التدفئه وفي الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال تمثل الكهرباء 22% فقط من الطلب النهائي على الطاقه بينما تمثل التدفئه والتبريد 45% ويمثل النقل نسبة 33% المتبقيه .

إن كل هذه العوامل تساعد في تفسير لماذا الوقود الاحفوري والذي يلبي حاليا اكثر من 80% من احتياجات العالم من الطاقة سيبقى العمود الفقري لانتاج الطاقه للمستقبل المنظور وهذه قد لا تكون اخبار طيبه لاولئك الراغبين في البدء فورا في عمليه التخلص التدريجي من الهيدروكبرونات ولكن ربما سيجدون بعض العزاء في حقيقة ان الابتكار التكنولوجي سيلعب دورا رئيسيا في تقليل التأثيرات السلبية على جودة الهواء والماء.

وفي خضم المناقشات العالميه المتعلقه بتغير المناخ فإن من المفهوم ان تعد الاقتصادات المتقدمه بتحقيق مكاسب كبيره فيما يتعلق بفعالية الطاقة ولكن بينما قد يكون الاتحاد الاوروبي ملتزما بتخفيض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون فإن دول اخرى موقعه على اتفاقيه باريس للمناخ لسنة 2015  لا يبدو ان لديها نفس التصميم ولن يكون من المفاجىء لو قامت معظم الدول الموقعه فعليا برفع استهلاكها للطاقه في السنوات القادمه والتحول الى الوقود الاحفوري لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة اي خيار آخر.

ستبقى سياسة الطاقه على اجندة الاقتصادات المتقدمه لسنوات عديده قادمه ولكن بينما تعمل البلدان على تحقيق توازن بين أمن العرض والاهداف البيئيه يتوجب عليها كذلك الالتزام بإن تكون لديها الحقائق الصحيحه.

* سامويل فرفاري ( SAMUELE FURFARI) هو أستاذ في الجغرافيا السياسية للطاقة في جامعة ليبر دي بروكسيلس، ومؤلف العالم المتغير للطاقة والتحديات الجيوسياسية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!