آفاق بيئية : الدكتورأحمد زكى ابو كنيز
ربما يكون تعبيراً جديداً الى حدما على القارىء أو المتلقى, فقد تعودنا على التلوث البيئى, تلوث الهواء, تلوث المياه, تلوث التربة, تلوث الغذاء, التلوث الضوضائى… الخ و لكن ما هذا التلوث اللاكترونى
و المقصود بالتلوث اللاكترونى هو التلوث الناجم عن وجود النفايات الالكترونية و التى لايتم التخلص الآمن منها او اعادة تدويرها مع عدم وجود احتياطات آمنة تحافظ على صحة الانسان و البيئة , و قد تبدو هذه العبارات غريبة بعض الشىء لكن يمكننا تبسيط الامر على النحو التالى فنقول ان التقدم التكنولوجى المتسارع انتج لنا العديد من الاجهزة و المعدات و الكماليات الحياتية التى تساهم فى توفير حياة ناعمة للانسان و من هذه المعدات و الاجهزة الثلاجات و الغسالات والتلفزيونات و افران الميكرويف ومكيفات الهواء اجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و الحواسب الالية العادية و المحمولة و كاميرات التصوير و المراقبة و اجهزة الرصد…و غيرها كثير من الاجهزة الحديثة.
و خطورة الاجهزة السابقة تكمن فى انه عند تلفها يتم التخلص منها غالباً بشكل عشوائى عندها قد تتسرب بعض مكوناتها من العناصر السامة او تيار الكترونى او موجات الى عناصر البيئة و الوسط الذى نحيا فيه من هواء و ماء و تربة وغذاء وقد تصل الى الانسان عبر السلسلة الغذائية او ربما عن طريق التنفس من خلال استنشاق هواء مشبع بأبخرة او جسيمات من العناصر السامة الناجمة عن التلوث الالكترونى .
و من الاضرار التى تنجم عن التلوث ببعض النفايات الالكترونية مثل شاشات التلفزيون او الحاسب الالى المحتوية على الرصاص الذى يؤدى الى اضرار مؤكدة بالجهازين العصبيين المركزى و الطرفى و الدورة الدموية و الكليتان الى جانب اضرار شديدة على الجهاز المناعى, ايضا تأخير النمو و التقدم العقلى للاطفال, كما ان وجود الزئبق فى الاجهزة الطبية و التلفونات المحمولة ذو تأثير شديد الضرر على الكبد و المخ, فيما يعتبر وجود نفايات من الطابعات المحتوية على الاحبار المختلفة الالوان تؤدى الى اضرار قوية بالجهاز التنفسى الى جانب احتمالية التسبب فى اورام خبيثة, أما مصابيح الفلورسنت المحتوية على عنصر الباريوم فعندما يحدث التخلص العشوائى منها يتعرض الانسان بطريقة مباشرة لهذا العنصر الفلزى محدثاً له ضعف عام بالعضلات و اضرار مؤكدة فى كلا من الكبد و الطحال وقد يتفاقم الامر بالتعرض الشديد له الى تورم فى المخ.
أذن من المؤكد ان مشكلة النفايات الالكترونية تمثل أحدى اهم المشاكل التى تؤرق العالم المعاصر و مرجع هذا الى المخاطر الصحية و البيئية التي تحدثها نتيجة لتراكمها وتقادمها وصعوبة التخلص منها، أو إعادة تدوير بعض او كل مكوناتها، وهو ما يمثل تحديات جسيمة أمام الدول المتقدمة، وإن كانت الدول النامية أشد ضرراً وبالأخص في حالة تصدير الأجهزة الإلكترونية الأقل جودة او المستعملة سواء كان بدافع التجارة، أو المساعدة، او للتخلص منها فيؤدى ذلك الى تدمير البيئة بجبال نفاياتها، أو بسبب عجز تلك الدول أعنى الفقيرة المستقبلة عن تجميعها واستحالة قدرتها على تدويره أو التخلص الآمن منها.
و هنا أود الاشارة الى كمية هذه النفايات الالكترونية المنتجة سنوياً على المستوى العالمى, هناك احصات تذكر ان العالم ينتج اكثر من 60 مليون طن , و هى آخذة فى التزايد بمعدلات متسارعة فمن المتوقع ان تتضاعف اربعة مرات بحول نهاية العقد الثانى من القرن الحادى و العشرين، في حين ما يتم التخلص منه الان لا يتعدى 2 مليون طن. بل قد يصل الأمر إلى أن ننصح بعدم اقتناء الأجهزة الإلكترونية المنتهية الصلاحية في المنازل، والتي قد تؤدي إلي مخاطر صحية كبيرة.
أما مصر فلايوجد او بالاحرى لم اطلع على بيان رسمى يقدر كمية النفايات الالكترونية على وجه الدقة او حتى قريب من الدقة و تكمن الخطورة هنا فى مصر ان التعامل مع مثل هذه الملوثات الخفية يتم من خلال تجار الخردة وورش الاصلاح المتناثرة فى طول البلاد و عرضها و التى تقوم باجراء عمليات احلال و تبديل قطع غيار نصف عمر بالتالفة و يتم هذا من اجل اصلاح و تشغيل الاجهزة المتهالكة فى محاولة لبعث الحياة فيها مرة اخرى و التى سرعان ما تنهار تماما متحولةً الى نفايات ضارة… بل و الاخطر هنا لجوء البعض الى صهر اللوحات الالكترونية بغرض التحصل على المعادن النفيسة المكونة لها.. و غالبا عندما تصبح هذه النفايات عديمة القيمة قد يلجأ البعض الى التخلص منها اما بالحرق او الدفن الغير صحى و هذا يترتب عليه اخطار بيئية و صحية هائلة.
و فى النهاية أقول ان التلوث الالكترونى يمثل شكلا تلوثيا لا يمكن رؤيته و سماعه او استنشاق رائحته… فقط نرى آثاره المدمرة و تداعياته المخيمة على الجسم البشرى و بالتالى فاننا يمكن ان نطلق عليه التلوث الخفى حيث يمكن تصويره على انه غابة يندفع فيها سيل من الالكترونيات الغير منظورة او محسوسة او مرئية و ع ذلك نعيش فيها و نمارس كافه انشطتنا الحياتية دون ان نستشعر خطورتها. و الان ما السبيل الى الاحتماء من هذا اللهو الخفى هل يكون تشريعيا ام تكنولجيا ام سلوكياً ام التخلى عن الانتفاع بمنتوجات الحضارة الحديثة ام جميع ما سبق .. اعتقد ان الاجابة اعقد كثيرا من ان تتم الاجابة عليها فى مقال.
الدكتورأحمد زكى ابو كنيز : استاذ بمركز البحوث الزراعية بمصر .. خبير البيئة و الموارد الطبيعية