آفاق بيئية : محمد التفراوتي
“يا مراكش يا وريدة بين النخيل” مطلع أغنية شهيرة يتغنى بها المغاربة. واحة مدينة مراكش شيدت في القرن الحادي عشر الميلادي، باتت جزء يميز فضاءات المدينة الأثرية الحمراء.
مدينة ذات أهمية جمالية وثقافية وتاريخية، ينعشها نهر” تانسيفت” وتتوفر على نظام للري يدعى (الخطَّارات) .
وأمام تدهور مواردها الطبيعية تم إصدار العديد من النصوص التشريعية لحماية هذا الفضاء الهش، لكن دون جدوى .تضررت الواحة جراء العديد من الممارسات المختلفة . حيث طالتها مختلف الأضرار التي حلّت بثرات الواحات بالمغرب عموما.
المؤسسة، المحرك النشيط
على إثر ذلك تكفل العاهل المغربي محمد السادس بحماية النخيل وواحات المدينة عبر إطلاق برنامج حماية وتنمية واحة النخيل بمراكش.وعملت رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة الأميرة اللا حسناءعلى توحيد مهام مجموع الفاعلين المنخرطين في حماية واحة النخيل بمراكش.وتعهدت المؤسسة على التنسيق وتوحيد كافة المساعي والطاقات.
تؤكد بعض المصادر التاريخية أن الواحة نشأت بشكل تلقائي حوالي القرن الحادي عشر على إثر حلول المرابطين آتين من الجنوب. وتمتد اليوم على مساحة 12000 هكتار بشكل عام وتضم حوالي 100000 كثلة نخيل. وقد تم تسجيل الواحة بمثابة موقع محمي بموجب الظهير الشريف الصادر في 25 مارس 1929.
حدد برنامج حماية واحة النخيل أربعة محاور للعمل تتجلى في إعادة تشكيل المنظومة البيئية للواحة .وإعادة النظر في تدبير الموارد المائية ثم التخفيف من وطئة الزحف العمراني مع إشراك الساكنة و النسيج الجمعوي في هذه المبادرة.
إعادة تشكيل المنظومة البيئية للواحة
وأنتج مَنْبَت ،منذ انطلاق برنامج إعادة تشكيل المنظومة البيئية للواحة، ما يناهز 80000 شتلة في السنة .كما ينتج المواد النباتية لإعادة غرس النخيل مع انتقاء الأنواع الأكثر مقاومة للظروف الصعبة. خصوصا المتكيفة مع مناخ مراكش ،أكثر برودة من المنطقة الصحراوية.، إذ تحتاج النخلة المثمرة إلى عدد معين من الأيام المشمسة لكي تُثمر ولا تقوى على ذلك سوى أنواع تنضج قبل الأوان.
و مكن البرنامج بعد مرور سبع سنوات على انطلاقه من غرس 542000 غرسة اي بزيادة 26% مقارنة مع الهدف الرئيسي الذي كان محددا في 430000. وصيانة 80000 نخلة كبيرة ثم إزالة 15047 نخلة ميتة من خلال إزالة 41620 متر مكعب من الحصى ونقلها إلى المطرح البلدي لتقليص هذا الجزء الظاهر من الزحف العمراني.
وقد تم غرس 8000 نخلة مثمرة ضمن برنامج “التعويض الطوعي للكاربون” المعتمد من طرف مؤسسة محمد السادس للبيئة . وذلك بغية حبس حوالي 9600 طن مقابل ثاني أوكسيد الكاربون على طول مدة حياة النخيل (100 سنة).
كما أطلقت عملية غرس 13500 شتلة في إطار اتفاقيات الشراكة مع المجموع الشريف للفوسفاط (7500 شتلة) والإدارة العامة للجماعات الحلية (8000 شتلة). وتم تزويد الأغراس التي تدعمها الإدارة العامة للجماعات المحلية.
و في أفق 30 سنة المقبلة يرتقب أن يعاد تشكيل المنظومة البيئية لواحة النخيل وتمَكِّن من تطوير تجمعات تكاملية مع أصناف أخرى كشجر الفستق الأطلسي ونبات الطرفاء (الأثل) وأتربليس ونبات الأسل في المناطق المسقية.
تدبير الموارد المائية
وموازاة مع غرس الشتلات الجديدة تم حفر 14 بئرا جديدا. وتم تزويد بئرين منهما باللوحات الشمسية، بغية تقليص استهلاك الطاقة ذات المصدر الأحفوري في عملية الضخ.و كُلِّلت هذه التجربة بالنجاح، إذ سيتم تعميم تجهيز الآبار الأخرى بالطاقة الشمسية من الآن إلى غاية سنة 2016.
تصنيف الواحة
وبناء على القانون عدد 07-22 المتعلق بالمناطق المحمية، ومن أجل جعل المنطقة الرطبة بالواحة ،الممتدة على مدى 250 هكتارا، أول موقع ذي أهمية بيولوجية وبيئية في المغرب ، شرعت المؤسسة في تصنيف مستنقع الواحة (الولجة) الذي يضم وحيشا ونباتات رائعة. إذ يضم 15 صنفا من التدييات و24 من الزواحف وخاصة 49 نوعا من الطيور، منها ما هو نادر جدا مثل المنغوست (النمس) والبلشون الأحمر آكل السراطين أو أبو منجل.
التربية والتوعية
أُنجزت بالواحة وسائل بيداغوجية من أجل تحسيس الساكنة المجاورة والزوار بضرورة احترام الواحة تتمثل أهمها في المسار البيداغوجي بحديقة الحارثي التي أنجزت به خمس مسالك موضوعاتية تهم الآبار ونمو النخل والخطارات والسماد الطبيعي والتنوع البيولوجي للواحة. فضلا عن قرص مدمج للنباتات قليلة استهلاك الماء .
وتشتغل مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة بتعاون مع شركائها،على مشروع ري الأغراس الجديدة بواسطة المياه العادمة الصادرة عن محطة التصفية بمراكش. وقد هم أول شطر من العملية 200000 نخلة منتشرة على 570 هكتار وسيمَكِّن من تفادي استعمال 725000 متر مكعب كل سنة انطلاقا من الفرشة المائية. وبالنسبة لمواقع الغرس الأخرى التي لا يُمكِن ريها بالمياه المستعملة، سيتم تشغيل الآبار بالطاقة الشمسية. وتشتغل اثنان منها منذ مدة بهذه الطريقة.
وتعمل المؤسسة، بمعية الأطراف المعنية ، على حماية أفضل لواحة النخيل ضمن المخطط القادم للتهيئة الحضرية لمراكش. كما تدرس كيفية تحويل منطقة “الولجة” ، إلى غاية 2015، التي تمتد على مساحة 250 هكتارا وتقع غربا، إلى موقع ذي أهمية بيولوجية وبيئية (SIBE) لتكون بالتالي بمثابة ملاذ بيئي.
وينكب البرنامج على دراسة إمكانيات الرفع من قيمة نشاط فئة من المزارعين العاملين بواحة النخيل، وذلك للحفاظ على هذا النشاط القديم والضروري للمنظومة البيئية، وكذا القيام بحملات تحسيسية من خلال تقديم البرامج التي أظهرت نجاعتها ، مثل الصحافيون الشباب من أجل البيئة والمدارس الإيكولوجية والمفتاح الأخضر المخصص لتتويج الفندقيين.