تقلبات المناخ في المنطقة الساحلية للبحر المتوسط

محمد التفراوتي15 ديسمبر 2013Last Update :
تقلبات المناخ في المنطقة الساحلية للبحر المتوسط

Group Photo from the Hellenic Parliament2

ورشة عمل إقليمية لأعضاء البرلمانات حول تقلبات المناخ
في المنطقة الساحلية للبحر المتوسط

أتينا : محمد التفراوتي

تواجه منطقة البحر الأبيض المتوسط عدداً من المخاطر البيئية التي تهدد تنوعها البيولوجي ومواردها الطبيعية ومناطقها القابلة للسكن وصحة أهاليها، حيث تئن العديد من المناطق الواقعة على السواحل الشمالية والجنوبية تحت وطأة الجفاف وندرة المياه، أو تتعرض للفيضانات والحرائق.
ويعيش نحو 145 مليون نسمة، أي قرابة 35 في المائة من مجموع سكان المتوسط، في المناطق الساحلية. كما أن المتوسط هو الوجهة السياحية الأكثر شعبية إذ يفد إليه 170 مليون سائح كل عام. وتواجه المناطق الساحلية والموارد الطبيعية ضغوطاً شديدة بسبب الاكتظاظ والتنمية غير المحكومة.
وتفتقر نسبة 48 في المائة تقريباً من المراكز الحضرية إلى مرافق معالجة مياه المجارير، كما أن نحو 80 في المائة من المياه العادمة تلقى في البحر بدون معالجة، مما يعني أن حجم ما يصل إلى البحر من المياه غير المعالجة سنوياً يبلغ أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب.
وترمي الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية إلى معالجة مشكلات هذه المناطق بشكل جماعي على أساس أنها مترابطة فيما بينها. وتعتمد هذه الإدارة على مشاركة طائفة من القطاعات، والجهات المعنية، والمستويات الإدارية.
يغطي البحر الأبيض المتوسط أكثر من 2.5 مليون كيلومتر مربع، ويصل طول سواحله إلى نحو 46.000 كيلومتر. وتضم البلدان المتوسطية 425 مليون نسمة من السكان، إلى جانب 170 مليون سائح يفدون إليها كل عام.
ويصل العمق الوسطي لهذا البحر إلى 1500 متر فقط. وهو بحر شبه مغلق بمنفذين رئيسيين هما: مضيق جبل طارق، وعرضه نحو 14 كيلومتراً، وقناة السويس. ونتيجة لذلك فإن تجدد مياه المتوسط عبر التدفقات الداخلة من المحيطات الأخرى يتطلب أكثر من قرن من الزمان.
وفيما يتعلق بالتنوع البيولوجي فإن المتوسط يعد من أغنى البحار في العالم: إذ تعيش فيه نسبة 7.5 في المائة من مجموع الأنواع الحيوانية و18 في المائة من كل النباتات البحرية رغم أنه يغطي فحسب 0.7 في المائة من المساحة الإجمالية للمحيطات. وتضم نباتات وحيوانات المتوسط أنواعاً من المناطق المعتدلة وشبه الاستوائية على حد سواء، علماً بأن نسبة 30 في المائة منها هي من الأنواع المستوطنة.
وتشكل مياه المتوسط نقطة التقاء سواحل بلدان في أوربا، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، ولهذا فإن الإقليم معقد من الزوايا السياسية، والاقتصادية، والجغرافية، وفريد ومتنوع من الزاوية البيئية.
وتؤكد دراسات حديثة و تقارير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)،أن تقلب المناخ وتغيره سيكون له آثار سلبية على البحر الأبيض المتوسط. حيث ستشهد المنطقة ارتفاع مستوى سطح البحر، وموجات الجفاف الثابتة والمتكررة ، والنقص العام في هطول الأمطار يليه نقص في تدفق الأنهار و تسرب المياه المالحة ثم تملح المياه الجوفية. هذا فضلا عن كثافة الأمطار المسببة للفيضانات وتآكل التربة، والنقص الخطير، على المدى الطويل، في رطوبة التربة واستفحال التصحر حيث من المتوقع أن يزيد بشكل كبير.
مثل هذه الظواهر تؤثر مباشرة على كمية ونوعية المياه العذبة بالمنطقة . وتشكل تهديدات الخطيرة على صحة الإنسان. كما تطال قطاعات اقتصادية هامة إذ تهدد الإنتاج الزراعي و الأمن الغذائي ، و سيتسبب في خسارة من حيث الدخل الاقتصادي وتقلص المردودية .
ويعرف قطاع الصيد تغيرات في دوران المحيطات و زيادة درجة حرارة الماء والحموضة و تغيرات كبيرة في الموائل الساحلية والنظم الإيكولوجية . و يعرف مجال أمن الطاقة انخفاضا قي الطاقة الكهرومائية واحتياجات في الطاقة في مجال الاستعمال المائي بما في ذلك الضخ وتحلية المياه و التبريد… .
كما يتأثر قطاع السياحة، من خلال تراجع السياح و فقدان رؤوس الاموال بسبب تدني الخدمات التي تحدثها قلة وفرة المياه . ناهيك عن أن تطوير البنية التحتية يعاني من زيادة التكاليف وخطورة التخطيط والاستثمار.

athenes22
وفي هذا السياق عقدت بأثينا ، مؤخرا ، ورشة عمل إقليمية لأعضاء البرلمانات حول تقلبات المناخ وتغيره في المنطقة الساحلية للبحر المتوسط.
وتدارس المشاركون عدة مواضيع همت تقلبات المناخ في البحر الأبيض المتوسط ومشروع الشراكة الاستراتيجية لمرفق البيئة العالمي،من أجل النظام الإيكولوجي البحري الواسع في المتوسط ، أدار محورهما محمد عامر ، نائب رئيس كومبسود و البرلماني المغربي . أما المحور الثالث الذي أداره السيد أنطونيو راموس بريتو ، رئيس لجنة البيئة بالبرلمان البرتغالي فناقش محور المبادرات والبرامج الجهوية المتعلقة بتغير المناخ .
وشهد البرلمان اليوناني لقاء مشتركا للجنة الدائمة الخاصة بحماية البيئة بالبرلمان اليوناني ودائرة البرلمانيين المتوسطيين من أجل التنمية المستدامة ( كومبسود).
وأفاد السيد “ايفانجيلوس ميماراكيس” رئيس البرلمان اليوناني بأن منطقة البحر الأبيض المتوسط وشعوبها و ثقافاتها منذ آلاف السنين ، مكون أساسي للحياة والتاريخ والثقافة . و”نحن نرى هذا البحر مثل الحيز المادي لدينا، و المصير الذي يجمعنا مع جيراننا . بوصفه القوة الدافعة نحو تطور الاقتصاد والمجتمع ، والمحددة لكثير من أعمالنا و أشكال طريقة حياتنا” .
إن حماية البحر المتوسط و الحفاظ على استدامته ، يضيف ايفانجيلوس، يعد عاملا حيويا للاستقرار السياسي والتعاون و علاقات حسن الجوار في المنطقة .ذلك أن هناك مشاكل كبيرة في عصرنا ، مثل الهجرة الجماعية ، وتقلص قطاعات إنتاجية ، والبطالة، و ارتفاع تكاليف التعامل مع آثار الكوارث الطبيعية والأحداث المناخية المتطرفة تعد على الأقل بعض من أسباب تدمير البيئة الطبيعية.
و تحدث جل ممثلي الوفود المشاركة مبرزين مختلف الإشكالات المناخية من موقع الضفتين شمال جنوب خصوصا تقلب المناخ وتغيره في البحر الأبيض المتوسط ثم الآثار ومختلف الإجابات الممكنة ، مع التركيز على المناطق الساحلية . ترأست جلستها الدكتورة ديونيسيا أفغرنوبولو ، رئيسة لجنة البيئة والمياه بالبرلمان اليوناني، ورئيسة حلقة البرلمانيين المتوسطيين من أجل التنمية المستدامة (كومبسود).
كما تناول برلمانيو الضفتين بالدرس والتحليل دور البرلمانيين في رؤية العمليات السياسية الإقليمية المقبلة بشأن تغير المناخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط ترأس نقاشه يوسف أبو صفية وزير البيئة الفلسطيني وكذا جرد الاحتياجات التقنية لدعم و تعزيز البرلمانيين في المبادرات والعمليات الإقليمية والوطنية.
وحذر الخبير المغربي الدكتور موح الرجدالي من الوضعية البيئية التي يعرفها الحوض المتوسطي و ودعا إلى التخفيف من وطأة الجفاف والتغيرات المناخية بالمنطقة .وأفاد الدكتور الرجدالي خلال مداخلته بالبرلمان اليوناني أن المغرب يفتخر بانتمائه لمنطقة البحر الأبيض المتوسط التي تشتهر بتميزها وبغنى وتنوع أناسها ومواردها الطبيعية .. إلا أن هذا التنوع والغنى ،يضيف الدكتور الرجدالي ، يضع على “كاهلنا مسؤولية عظمى وهو المحافظة على المنطقة مستقرة ومتطورة رغم ما تعرفه هذه المنطقة من هشاشة في مناخها ومواردها ومن ضغوطات متزايدة لتلبية حاجيات ساكنتها “ .وتتطلب المحافظة عليها التسلح بالنيات الحسنة إلى جانب العلم والمعرفة و الحماس الدائم لكي نعمل محليا ودوليا كجسد واحد لتلافي وتجاوز إكراهات التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والآثار المترتبة عنه قبل أن يفوت الأوان.
واستشهد الرجدالي بالتجربة المغربية التي تجتاز فترة تطور مختلف القطاعات مركزا على تأهيل الموارد بشرية لمواكبة هذه النهضة التي يعرفها المغرب ولتجاوز الإشكالات المطروحة .مشيرا إلى دور المغرب ومساعيه الحثيثة من أجل تحسين وضع المنطقة بيئيا وبشكل مستدام .مذكرا بالاستعمال الرشيد للموارد إذ هناك عدة أعمال تقوم بها الحكومة المغربية تجاه شواطئ البحر الابيض المتوسط في مجالات المناطق المحمية برية أو بحرية وفي مجال الطاقات المتجددة لتلافي الانبعاثات الغازية الملوثة .
ودعا الرجدالي مختلف الفعاليات المشاركة من مختلف المشارب سياسية والمؤسسات والخبراء وهيئات مجتمع مدني وإعلام إلى ضرورة العمل أكثر من ذي قبل من أجل تضافر الجهود وتقوية الشراكة شمال جنوب وجنوب جنوب والتعاون من أجل مصلحة بلدان الحوض المتوسطي ومن أجل العيش الكريم لساكنته.كما أوصى إلى التعاضد من أجل أن يعم السلم والاستقرار في المنطقة . ذلك أن منطقة المتوسط في الطريق لكي تصبح نظاماً اقتصادياً متقدماً، مع إمكانية تدفق الاستثمارات الضخمة. ويحتاج ذلك إلى أوضاع مستقرة كي تمضي البلدان المتوسطية قدماً نحو بلوغ حلمها المشترك المتمثل في تحقيق الخير العام وإرساء نهج قويم للتنمية المستدامة.
وخلال زيارة ميدانية للمشاركين لمنطقة “زاخارو” قرب مدينة ” أولامبيا” للوقوف على إعتصام ساكنة المنطقة، احتجاجا، أمام المطرح الذي اختارته البلدية كي تلقي فيه النفايات ، استعرض الدكتور الرجدالي أمام المعتصمين و الإعلام اليوناني التجربة المغربية باعتباره رئيس سابق للسلطة المفوضة لمطرح النفايات بالرباط وضواحيهة . وأوضح أن وجود مطارح ضرورة من أجل مصلحة وصحة المواطنين بحيث هناك تقنيات عالمية لتفادي تلوث الفرشة المائية على أن تكون هذه المطارح بعيدة عن السكان و عن الوديان والأماكن التي يرتادها المواطنون . ويجب أن تتمثل هذه التقنيات كلها في المطارح لتفادي الغازات السامة والغبار وما تسببه من الأمراض فضلا عن سائل “ليكسفيا ” عصارة النفايات الملوثة للبيئة. أما بخصوص نفايات المستشفيات فلها معالجة خاصة ،يذكر الرجدالي ، بالحرق التام في الأفران الخاصة طبقا للمعايير المعمول بها عالمية.
و قال محمد عامر نائب رئيس حلقة البرلمانيين المتوسطيين من أجل التنمية المستدامة (كومبسود( ، أن الانتماء المشترك لقضايا البيئة وقضايا التنمية المستدامة هي قضايا شمولية عابرة للقارات ولا يمكن مواجهتها بدون العمل المشترك والتعاون بين البلدان وخاصة بين ممثلي الشعوب الذين أوكلت لهم مهمة التشريع ، مضيفا إلى أن ما يتعرض له فضاء البحر الأبيض المتوسط من اعتداء ومن اختلالات يستوجب العمل المشترك والتضامن بيت الدول والشعوب وبين مجموع الفاعلين في الشمال والجنوب .
وأضاف عامر أن اشتغال الشبكة البرلمانيين يأتي في سياق دولي وجهوي وإقليمي صعب يتميز بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة في الضفة الشمالية للمتوسط وأزمة سياسية غير مسبوقة مرتبطة بمسألة الانتقال الديمقراطي في العديد من دول الضفة الجنوبية وبذلك فبقدر ما يطرح ،هذا السياق، تحديات كبرى بقدر ما يوفر فرص لنهضة جديدة لوعي جديد و إيجابي لقضايا البيئة والتنمية المستدامة إذ أن دول الجنوب تمر بمشاكل معقدة لكنها تتوفر على إمكانية تجاوز الأزمة عبر إصرار شعوبها وإصرار شبابها على الانخراط في مسلسل الحرية والديمقراطية والتنمية المستدامة .
وقال عامر أن من مهام الشبكة البرلمانية القيام بمبادرات لدعم برلمانيي الجنوب وبشراكة مع منظمات المجتمع المدني والإعلام بمبادرات تشريعية هادفة وجادة مقترحا عقد اجتماع في الموضوع في إحدى دول الجنوب .
إن العديد من دول الضفة الجنوبية للمتوسط تواجه في مجال التغيرات المناخية تحديا مزدوجا، يضيف عامر ، مرتبطا بانتمائنا إلى كل من الفضاء والصحراوي و الإفريقي والذي يعاني من مخلفات التغيرات المناخية التي تقود إلى هجرة بشرية عنيفة تجاه دول إفريقيا الشمالية .
ATHENES 133

ويقدم المغرب نموذجا لهذا التحدي المزدوج حيث يستقبل آلاف المهاجرين الأفارقة الهاربين من الحروب والجفاف والمجاعة والراغبين في المرور إلى الضفة الشمالية. لكن التزامات المغرب مع أوروبا والمجهودات الجبارة التي يبذلها لحماية حدوده ، ومواجهة التجارة البشرية العابرة للقارات جعلت الغالبية العظمى من المهاجرين الأفارقة تختار الاستقرار في المغرب .
إن هذا الوضع الجديد دفع المغرب احترام التزاماته في مجال حقوق الانسان ، وتعبيرا لتضامنه مع إفريقيا ، ليعلن عن سياسة جديدة في مجال الهجرة تضمن اندماج كل الأفارقة الذين يوجدون في الأراضي المغربية وتسوية أوضاعهم القانونية معبرا عن تضامنه مع دول ضحايا الفقر والتغيرات المناخية من جهة ويؤكد إيمانه الراسخ بأن قضايا صيانة البيئة وحماية حقوق الإنسان وبناء الديمقراطية والشراكة .
ويذكر أن للحوض المتوسطي التحديات تستوجب اعتماد أولويات أساسية تتمثل في الحد على نطاق واسع من التلوث الناجم عن مصادر برية و حماية الموائل البحرية والساحلية والأنواع المهددة وتعزيز سلامة الأنشطة البحرية والنهوض بمراعاتها للبيئة البحرية المتوسطية ثم تكثيف التخطيط المتكامل للمناطق الساحلية ورصد انتشار الأنواع الغازية و الحد من التلوث الزيتي والتدخل الفوري لمجابهته و المضي قدماً في ترويج التنمية المستدامة في المنطقة.

parliament photo

يشار إلى أن اللقاء نظم من قبل الشراكة المائية العالمية – البحر الأبيض المتوسط (GWP-Med) و برنامج “دمج التقلبات المناخية في الاستراتيجيات الوطنية لتنفيذ بروتوكول الإدارة المتكاملة في منطقة البحر الأبيض المتوسط (GEF UNEP/MAP) و الخطة الزرقاء / برنامج الأمم المتحدة للبيئة/مركز الأنشطة الإقليمية لخطة عمل المتوسط UNEP/MAP, Plan Bleu, و مركز الأنشطة الإقليمية لبرنامج الإجراءات ذات الأولوية (PAP/RAC) بتنسيق مع برنامج الإدارة المستدامة والمتكاملة للمياه (SWIM)

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!