تذوُّق طعم التراث في أغذية منسية والنهوض بالزراعة المستدامة

محمد التفراوتي19 يوليو 2024Last Update :
تذوُّق طعم التراث في أغذية منسية والنهوض بالزراعة المستدامة

آفاق بيئية: منظمة الأغذية والزراعة

يتصدى العالم لتحديات ملحّة مثل الأمن الغذائي وتغير المناخ والاستدامة البيئية، فإن هذه الكنوز جديرة
يتميَّز المطبخ الأفريقي بنسيج غني من التنوع البيولوجي والتقاليد، ويخفي في ثناياه المفعم بالحياة كنزًا دفينًا من الأغذية المنسيّة. وهذه المحاصيل المكيفة إقليميًّا، التي كانت يومًا ما محورية في الثقافات المتنوعة للقارة، تعدّ ذات أهمية حاسمة تستدعي الوقوف عندها في هذا الوقت الذي يتصدى فيه العالم لتحديات ملحّة مثل الأمن الغذائي وتغيّر المناخ والاستدامة البيئية.

وتنطوي الزراعة في أفريقيا على إمكانات رحبة وغير مستغلّة قادرة على إحداث تحوّل في المشهد الاجتماعي والاقتصادي في القارة الأفريقية. وتحتضن أفريقيا، الغنية بمناخاتها المتنوعة وترتبها الخصبة، ثروة من المحاصيل المحلية التي تُتيح فوائد تغذوية واستدامة إيكولوجية على حدّ السواء.

ومع ازدياد الطلب على النظم الغذائية، تبقى القارة على استعداد لاستعادة تراثها الزراعي ورسم مسار مستدام نحو مستقبل يعزز تنمية رأس المال البشري وخلق فرص العمل والنمو الصناعي والتحول الهيكلي وصون النظم الإيكولوجية.

وإدراكًا لذلك، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) بالتعاون مع منتدى البحوث الزراعية في أفريقيا مطبوعًا بعنوان إدماج أغذية أفريقيا المنسية من أجل تغذية أفضل، جنبًا إلى جنب مع المطبوع بعنوان مجموعة الأغذية المنسية في أفريقيا، الذي يدرج قائمة تضم 100 من الأغذية المحلية التي من شأنها أن تمهّد الطريق إلى الممارسات الغذائية المستدامة والقادرة على الصمود.

وقال السيد Mphumuzi Sukati، وهو كبير المسؤولين عن الأغذية والتغذية لدى المنظمة ويعمل في المكتب الإقليمي للمنظمة في أفريقيا: “هذه القائمة ليست شاملة، ولكننا حاولنا من خلالها أن نحدد خياراتنا استنادًا إلى إمكانية التكيف الإقليمي وتوافر المعلومات التغذوية”.

وتمتدّ أهمية هذه الأغذية بما يتخطى بكثير قيمتها التغذوية. فالأغذية هي تعبير عن الهوية الثقافية والروابط المجتمعية والمعارف المتوارثة.

إذ تتشبّع الأطباق التقليدية ومكوناتها بالقصص والعبر المتوارثة جيلًا بعد جيل.

وضعت منظمة الأغذية والزراعة بالتعاون مع منتدى البحوث الزراعية في أفريقيا قائمة تضم 100 من الأغذية المحلية، مثل الباوباب وحبوب الفونيو، التي من شأنها أن تمهّد الطريق إلى النظم الزراعية والغذائية المستدامة والقادرة على الصمود. الصورة إلى اليمين: ©FAO/Luis Tato. الصورة إلى اليسار: ©FAO/Luis Tato

ومن بين مئات الأغذية المنسية المدرجة في المطبوع نوعان من حبوب الفونيو، وهي حبوب عالية القيمة الغذائية تُزرع منذ أمد بعيد في جميع بلدان غرب أفريقيا من السنغال إلى تشاد. وتزدهر حبوب الفونيو البيضاء في ظروف التربة الفقيرة، وتُعرف بدورة نموها السريعة، في حين تُزرع حبوب الفونيو السوداء بشكل أساسي في نيجيريا وفي المناطق الشمالية من توغو وبنن. وتتميز حبوب الفونيو بتنوع استثنائي في استخداماتها لأغراض الطهي، إذ يمكن طهي بذورها على غرار الحبوب مثل الكسكس، ويمكن طحنها لصنع الخبز أو استخدامها في صنع العصائد العريضة والرفيعة على حدّ السواء. ويمكن استخدام بذورها الكاملة تمامًا كالفوشار.

ومن أبرز الأغذية الواردة في المطبوع ثمار الباوباب التي تنمو على الشجرة المعروفة في مدغشقر باسم “شجرة الحياة”. ونظرًا إلى الشكل المتميز لهذه النبتة المهيبة، تروي أسطورة عربية أن “الشيطان اقتلع شجرة الباوباب وغرس أغصانها في التربة وترك جذورها معلقة في الهواء”.

وتحظى أشجار الباوباب بالتقدير كونها معمّرة، وبعضها لأكثر من 000 1 عام، وتحيطها الكثير من الخرافات، وهي غنية بقيمتها التغذوية وتنمو في المناطق الأكثر جفافًا من القارة. وثمار الباوباب غنية بالفيتامين A ومضادات الأكسدة والألياف القابلة للذوبان، ويمكن استهلاكها بطرق متنوعة. إذ يمكن أكلها مجففة على غرار الوجبات الخفيفة، أو ممزوجة بالحليب لصنع عصيدة مغذية تمدّ المستهلك بالمغذيات الأساسية التي تعزز البصر وصحة الجهازين المناعي والهضمي.

وفي أجزاء كثيرة من القارة الأفريقية، يشهد الإرث الزراعي التقليدي تهميشًا بسبب التحوّل إلى المحاصيل النقدية وطرق الزراعة المكثفة. ولم يقتصر التغيير الذي أحدثه هذا التحوّل على الساحة الزراعية فحسب، بل طال أيضًا النسيج الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية. ففي التقاليد القديمة، كانت الزراعة في أفريقيا جهدًا جماعيًّا تؤدي فيه المعرفة، التي تحتفظ بها النساء في أغلب الأحيان، دورًا حاسمًا في زراعة محاصيل متنوعة.

وتعدّ إعادة إحياء هذه المحاصيل، المتكيفة مع هذه الأرض وهذا المناخ، خطوة نحو التوازن الإيكولوجي. فهذه المحاصيل تمتلك قدرة طبيعية على الصمود أمام العديد من الآفات والأمراض المحلية، وتتوافق جيدًا مع ظروف المناخ والتربة السائدة في موائلها الأصلية، مما يجعل المدخلات الزراعية المطلوبة لزراعتها أقلّ مقارنة مع نظيراتها المستوردة.

ويمكن للمزارعين، من خلال زراعة هذه المحاصيل، أن يخفّضوا من اعتمادهم على مبيدات الآفات والأسمدة الكيميائية، مما يعزّز التنوع البيولوجي ويحافظ على سلامة التربة.

©FAO/Luis Tato

ويُشكّل الطريق إلى إعادة اكتشاف الأغذية التقليدية في أفريقيا تحولًا مهمًّا نحو تشجيع تجارة الأغذية المحلية، حيث تتحكّم المجتمعات المحلية بنظمها الزراعية والغذائية، بدءًا من البذور التي تغرسها وانتهاءً بالمحاصيل التي تحصدها وتستهلكها.

ويكتسي هذا التركيز على التجارة أهمية حاسمة بالنسبة إلى الأمن الغذائي، لا سيّما في المناطق التي تتأثر بتقلبات الأسواق وآثار المناخ، نظرًا إلى قدرته على تعزيز فرص إطلاق مشاريع جديدة، وزيادة الإنتاج، ويعزز القيمة من أجل الوصول إلى أسواق جديدة.

وترتبط إعادة إحياء هذه الأغذية التقليدية، بدءًا من الأسواق المحلية الصاخبة حيث تستعيد هذه الأغذية مكانتها وانتهاءً بالمطابخ حيث تتحول إلى أطباق تفوح بروائح عطرة، بأكثر من مجرد تناول المأكولات. فهي ترتبط أيضًا بحفظ التراث والحفاظ على البيئة وتمكين المجتمعات المحلية. وهي حركة تتلاقى مع أهداف حفظ التراث، والأمن الغذائي، والاستدامة البيئية.

وتأتي جهود منظمة الأغذية والزراعة ومنتدى البحوث الزراعية في أفريقيا، من خلال مبادرات مثل مجموعة الأغذية، بمثابة منبع لهذه الحركة ومحفّز لها في الوقت ذاته. وتقف النظم الزراعية والغذائية في أفريقيا على مشارف فرصة عظيمة. فمن خلال إعادة إحياء تقاليد المطبخ الأفريقي والاحتفاء بها، لا ترجع القارة الأفريقية إلى ماضيها فحسب، بل وتمهّد أيضًا طريقًا مستدامًا نحو مستقبلها.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!