حان الوقت لصياغة معاهدة حماية أعالي البحار

محمد التفراوتي13 مارس 2023آخر تحديث :
حان الوقت لصياغة معاهدة حماية أعالي البحار

آفاق بيئية : جينيفر موريس

نيويورك – تُشكل أنظمة كوكبنا الطبيعية المترابطة والمنسوجة بإحكام ضرورة أساسية للحياة وسبل العيش. ومع ذلك، فإننا نشهد مع مرور كل موسم الحقائق المُدمرة الناتجة عن أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. وفي تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، يحذر المنتدى الاقتصادي العالمي من أن ستة من أهم عشرة مخاطر في العقد المقبل سوف تنبع مباشرة من فقدان وتدهور الطبيعة. وفي مواجهة العواصف والفيضانات الشديدة، وموجات الجفاف وحرائق الغابات المُدمرة، والمناطق الميتة في المحيطات، وندرة الغذاء، بلغت المطالب بإحداث تغيير منهجي ذروتها. وما لم نسلك مسارًا جديدًا، فإن أزماتنا ستزداد عمقًا.

وعلى الرغم من التحدي المتمثل في التوصل إلى اتفاقيات عالمية في مثل هذا العالم الممزق، إلا أن لدينا أسبابًا تدعو للتفاؤل. ففي أواخر عام 2022، حققت اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (CBD) تقدمًا كبيرًا بعد أن عانت لسنوات عديدة من الغموض النسبي. وفي قمة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 15” التي انعقدت في مونتريال في ديسمبر/كانون الأول، أنهت البلدان أربع سنوات من المفاوضات ووافقت على إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي (GBF)، وهو أهم اتفاق حكومي دولي بشأن التنوع البيولوجي منذ أكثر من عقد من الزمان.

وبموجب الإطار العالمي للتنوع البيولوجي، التزمت الحكومات بحماية 30٪ من الأراضي والمياه العذبة والمحيطات على مستوى العالم بحلول عام 2030؛ فضلاً عن تحسين استدامة الزراعة وتربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك والغابات؛ واستعادة 30٪ من النظم البيئية المتدهورة. ويُحدد الإطار مسارات متعددة لتوسيع نطاق الحلول داخل الحدود وخارجها، حيث يشمل الدفعات المقدمة والالتزامات المالية وخطة التنفيذ، كما يُحفز بالفعل الشركات والحكومات والمجتمع المدني لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

ومع ذلك، لا يزال يتعين بذل جهود أكبر والقيام بعمل حاسم. ففي العشرين من فبراير/شباط الجاري، اجتمعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في نيويورك لوضع اللمسات الأخيرة على جزء رئيسي من لغز إدارة المحيطات، والتي تتمثل في صياغة معاهدة جديدة للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وإدارته على نحو مستدام في منطقة أعالي البحار.

تُغطي منطقة أعالي البحار أو المياه الدولية ثلثي المحيطات ونصف الكوكب تقريبًا، وهي موطن لما يصل إلى عشرة ملايين من الكائنات – والتي لا يزال العديد منها مجهول الهوية. لكن الكثير من هذا التنوع البيولوجي يظل بعيدًا عن الأنظار وبالتالي بعيدًا عن الذهن. ونتيجة لذلك، تتعرض الحياة في هذه المساحة الشاسعة للتهديد المستمر بسبب ضعف القيود التنظيمية المفروضة على الأنشطة مثل الشحن وصيد الأسماك، فضلاً عن سوء إنفاذ القوانين القائمة.

تُعد منطقة أعالي البحار ملكًا للجميع وفي نفس الوقت ليست ملكًا لأحد. وكما هو الحال بالنسبة للعديد من الموارد المشتركة، لا يوجد إطار شامل متفق عليه ينظم حفظ المحيطات واستخدامها المُستدام خارج نطاق الولايات القضائية الوطنية. ولكن نظرًا لأن نفس طيور النوء، والسلاحف الجلدية، وأسماك القرش، والحيتان الضخمة التي نسعى لحمايتها داخل وخارج شواطئنا تقضي معظم حياتها في أعالي البحار، فهناك حاجة واضحة لاستراتيجيات عالمية أكثر قوة لحماية وإدارة و مراقبة هذه المناطق.

لا تعترف الحياة البحرية بالولايات القضائية القانونية. ولكي يكون حفظ الأنواع المهاجرة والنظم البيئية العابرة للحدود فعالاً، فإننا بحاجة ماسة إلى معاهدة عالمية بشأن منطقة أعالي البحار، والتي بدورها ستساهم في تنفيذ الإطار الجديد الطموح لاتفاقية التنوع البيولوجي.

وبدون هذا الإطار، ستكون فرص نجاح اتفاقية التنوع البيولوجي أقل بكثير. وذلك راجع في الوقت الحالي إلى غياب قوى عالمية قادرة على إنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار. وعلى الرغم من أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تُلزم الدول بتقييم تأثير الأنشطة في مياهها، لا توجد آلية عالمية لتقييم الأنشطة في أعالي البحار. وبدلاً من ذلك، هناك مزيج من آليات التقييم لمختلف الهيئات التي تنظم أجزاء من أعالي البحار، ولكن لا توجد معايير دنيا تضمن الجودة أو الاتساق.

وبالتالي، ما الذي يجب أن يحدث في القمة المزمع انعقادها في نيويورك؟ لكي تُحدث معاهدة أعالي البحار الجديدة فارقًا، يجب أن تحقق أهدافًا متعددة. يتمثل الهدف الأول في تزويد البلدان بالصلاحيات القانونية لإنشاء وإدارة شبكة تمثيلية للمناطق البحرية المحمية في أعالي البحار، حيث يُشكل ذلك ضرورة أساسيًا لحماية 30٪ على الأقل من المحيط بحلول عام 2030.

علاوة على ذلك، يتعين علينا أن نعزز بشكل كبير إدارة الأنشطة البشرية التي تؤثر على أعالي البحار، من خلال وضع معايير تقييم وإدارة بيئية حديثة وقوية. كما يتعين علينا ضمان القدر الكافي من الدعم المالي والعلمي والفني للدول التي تحتاج إليه.

وبالمثل، سنكون بحاجة إلى خلق آلية لتقاسم منافع الموارد الجينية البحرية بشكل عادل ومنصف، فضلاً عن إجراء تصويت عندما يتم استنفاد جميع الجهود الفعالة والمُخلصة للتوصل إلى توافق في الآراء. خلاف ذلك، ستكون دولة أو دولتين قادرة على عرقلة التقدم حتى في القضايا التي تدعمها الأغلبية الساحقة.

لا يمكننا حماية صحة المحيطات إلا من خلال إبرام معاهدة أعالي البحار القوية واتخاذ إجراءات أكثر جرأة في إطار هيئات المعاهدات القائمة (خاصة اتفاقيات إدارة مصايد الأسماك). يجب أن نتكيف بسرعة مع الأنشطة الجديدة مثل التعدين في أعماق البحار، بالإضافة إلى زيادة حوادث تصادم السفن مع الحيوانات الكبيرة وزيادة مستويات النفايات والضوضاء والتلوث الضوئي الاصطناعي. وهذا يتطلب إدارة المحيط بأكمله بطريقة أكثر شمولية. ونظرًا لتدهور صحة المحيطات، فإن الحفاظ على الوضع الراهن ليس خيارًا صائبًا.

تُتيح المفاوضات بشأن أول معاهدة دولية للمحيطات منذ أكثر من 40 عامًا، وهي أول معاهدة تستهدف الحفاظ على الحياة البحرية واستخدامها المستدام في أعالي البحار، فرصة أخرى لإعادة توازن علاقتنا مع الطبيعة. وبناءً على الزخم الذي ولده مؤتمر “كوب 15” للتغير المناخي في مونتريال، يتعين علينا الآن تحديد مسارًا فعالاً لمعالجة أكبر المخاطر التي تواجه كوكبنا في العقد المقبل.

جينيفر موريس هي المديرة التنفيذية لمنظمة الحفاظ على الطبيعة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!