آفاق بيئية : إريك بيرغلوف*
تهدف الصين الى وقف الارتفاع في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها بحلول سنة 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2060 ولو نجحت في ذلك فإن الصين تكون في اقل من 40 سنة قد نجحت في التحول من أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم الى تحقيق التوازن في انبعاثاتها.
ان الصين ليست الدولة الوحيدة التي أعلنت انها تنوي تحقيق صافي صفر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال ذلك الاطار الزمني- اكثر من 120 بلد تناقش بهمة ونشاط تحقيق ذلك حتى في وقت أقرب أي بحلول سنة 2050 – ولكن الصين هي أهم بلد حتى الان وفي واقع الامر فإن اعلان الرئيس تشي جينبينع المتعلق بالتزام الصين الخاص بسنة 2060 في الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة كان مهما على وجه الخصوص وذلك نظرا لإن اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 تتعرض لتحديات من قادة حكومات رئيسية كما يتم تقويضها في أماكن أخرى وهذا يعود الى حد ما الى جائحة كوفيد-19.
لكن هل الطموح الصيني ينطوي على المصداقية؟ وعلى الرغم من ان تشي لم يوضح في كلمته كيفية تحقيق الهدف المتمثل في صفر الكربون، فإن الصين تتمتع بسجل حافل في انجاز مبادرات رئيسية في مجالات مثل فعالية الطاقة والطاقة المتجددة وتخفيض التلوث والتخفيف من حدة الفقر ولكن تعهد تشي المتعلق بالحياد الكربوني هو على مقياس مختلف تماما ويجب الوفاء به ضمن سياق عالمي مختلف.
ان التقرير الأخير لمجموعة الثلاثين وهي جمعية دولية من كبار المفكرين العالميين يهدف لمساعدة البلدان على تسريع انتقالها الى اقتصاد صافي صفر انبعاثات. ان مجموعة الثلاثين تركّز أولا على ان تحقيق الحياد الكربوني يتطلب تعاون مكثف بين الحكومة والقطاع الخاص علما ان السياسة العامة تعتبر جوهر ذلك التعاون. أستشهد التقرير بالابتكارات الحديثة في السياسة المالية والنقدية وذكر ان الاتصالات الفعالة وما يسمى بالتوجهات المسبقة يمكن ان تجعل أطر السياسات أكثر قابلية للتنبؤ.
يدعو التقرير الحكومات للتخلص التدريجي من الدعم الواضح والضمني للوقود الاحفوري كما يدعوها لدعم تعديل الضرائب الحدودية وذلك لمنع البلدان والشركات من تقويض بعضها البعض وذلك عن طريق عدم تضمين تكاليف الكربون في التسعير الخاص بها وعلى الرغم من انه من غير الواضح الى أي مدى سيتم تطبيق هذه الضرائب، فإن جزء من العائدات يجب ان يذهب الى البلدان ذات الدخل المحدود لمساعدتها في الاستفادة من الفرص التي توفرها عملية الانتقال الى الحياد الكربوني. ان خلق الوظائف الناتج عن النمو الصديق للبيئة والنمو المستدام يجب ان يفيد تلك البلدان أيضا.
بالإضافة الى ذلك، يجب ان يكون لدى الشركات خطط واضحة للتحول الصديق للبيئة ونشر تقارير دورية عن التقدم الذي يتم احرازه بحيث تتمكن مجالس إدارة تلك الشركات من مراجعتها بشكل فعلي. ان هناك حاجة لاستثمارات كبيرة من اجل تقوية قدرة المؤسسات المالية على تقييم التأثير المناخي للاستثمارات وتحويل الموارد من المتقاعسين الى الشركات التي تقود عملية التحول منخفض الكربون علما انه ضمن الشركات المالية وغير المالية على حد سواء، يجب ان تعكس الحوافز اهداف صافي صفر انبعاثات.
ان الحوكمة تعتبر حيوية وكما اقترحت مجموعة الثلاثين وغيرها فإن على الحكومات التحقق من وجود مراجعات مستقلة للسياسات وذلك من خلال تأسيس آليات مثل مجالس الكربون على غرار مجالس السياسة المالية والنقدية وبالمثل فإن اللجان الخاصة المنبثقة عن مجالس الإدارة يمكن ان تتحقق من ان اقراض القطاع الخاص والقرارات الاستثمارية تضع بعين الاعتبار بشكل صحيح المخاطر المتعلقة بالمناخ. ان الشفافية المتعلقة بتلك المخاطر سوف تشجع مراجعة النظراء وتسمح للأسواق بتحديد القادة والمتقاعسين. ان العمل الجاري حاليا لتطوير معايير محاسبية مناسبة يجب ان يساعد في زيادة جودة الافصاح وبالتالي قيمته.
سوف تتكبد الشركات نفقات من خلال التحرك أولا وذلك قبل ان يطبق المنافسون أسعار الكربون وقبل ان تنخفض اسعار مصادر الوقود البديلة ولكن الفوائد أكبر فالعديد من المؤسسات المستثمرة تواجه بالفعل ضغوطا لتضمين المناخ وغيرها من الأهداف المستدامة في معاييرها الاستثمارية علما ان الجهات التنظيمية تضع بعين الاعتبار بشكل متزايد مخاطر التغير المناخي مما يعني ان الشركات التي تتحرك أولا يمكن ان تستفيد من تلك التوجهات.
ان المبدأ نفسه ينطبق على البلدان فمع مرور الوقت فإن ضغط النظراء لتحقيق صافي صفر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سوف يزيد والاستراتيجيات الوطنية يجب ان تضع ذلك بعين الاعتبار. ان الدول التي تتحرك أولا يمكن ان تكمل تعديلاتها خلال فترة زمنية أطول وتجنب تكاليف التغييرات المعطلة المتأخرة ولكن يتوجب على جميع الجهات الفاعلة الاقتصادية التحرك معا وسوف تحتاج الحكومات الى دعم القطاع الخاص في انجاز هذا التحول فكل يوم من التأخير سوف يضيف الى المخزون النهائي من “الأصول العالقة” بمجرد تعديل أسعار الكربون بالكامل.
ان بنوك التنمية متعددة الأطراف يجب ان تكون في طليعة تلك التطورات والعديد من تلك البنوك أصبح قدوة في هذا الخصوص. ان البيان الأخير لرئيس البنك الاسيوي للاستثمار في البنية التحتية جين ليكين والذي ذكر فيه انه لن ينظر في مشاريع تتعلق بتوليد الطاقة من الفحم كان بمثابة رسالة مهمة في منطقة ما تزال فيها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في تصاعد.لقد حدد البنك كذلك هدف يتمثل في تحقيق حصة تصل الى 50% او أكثر للتمويل المناخي في استثماراته بحلول سنة 2025. يمكن لجميع بنوك التنمية متعددة الأطراف الاستفادة من رأس مالها ونفوذها المشترك من اجل تقليل المخاطر، وضمان استخدام أحدث التقنيات الصديقة للبيئة وتسريع التحول في السياسات نحو التخفيف من تغير المناخ والتأقلم معه.
نحن ما زلنا لا نعلم ما هو المسار الأكثر توفيرا وعدالة تجاه تحقيق اقتصاد صفر كربون ولكن لا يوجد نقص في الحلول الممكنة. لقد أطلق تشي واحدة من أكثر المبادرات المتعلقة بالسياسات أهمية منذ 40 سنة. ان مقاربته تعكس أحد الخصائص المهمة للإصلاحات الصينية منذ سبعينيات القرن الماضي: الإعلان عن رؤية جريئة ومن ثم التفكير في كيفية تحقيقيها وذلك من خلال التجربة المنظمة والتكرار الدقيق أو طبقا للعبارة الشهيرة لدينغ شياو بينغ ” عبور النهر وذلك من خلال لمس الحجارة “.
لكن القادة الصينيين يدركون تماما ان التغير المناخي يغمر بالفعل الأنهار الصينية ويزيل الحجارة بينما تكافح دول أخرى ومن بينها الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على حرائق غابات لم يشهد لها مثيل من قبل في خضم الجائحة، ومن اجل الحد من مخاطر المزيد من الدمار، لا يوجد أي بديل آخر فالصين والعالم يتوجب عليهم العمل بشكل عاجل من اجل تحقيق الحياد الكربوني.
– بروجيكت سنديكيت
* إريك بيرغلوف هو كبير الاقتصاديين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية