آفاق بيئية : د. حمدي هاشم
قدمت مراكز الأبحاث للإدارة الأمريكية، قبل تفكيك الاتحاد السوفيتي (الدب الأحمر) وانتهاء الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا (1991)، تقرير العدو الاستراتيجي المنتظر بحلول عام (2020)، وكانت الصين (التنين الأصفر) الصاعدة بشكل مخيف على المستويين الاقتصادي والعسكري، لدرجة تصنيفها حسب تهديد الأمن القومي الأمريكي في المستوي الأول، ودور القواعد الأمريكية المتمركزة في أوراسيا والشرق الأوسط حال وقوع حرب بينهما. وعليها بدأت وزارة الدفاع الأمريكية في تطوير الصواريخ الأرضية المجنحة المحظورة، بعد خروج واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (2017) لردع الصين وقدراتها الصاروخية وترقية منظومة السيطرة في سيناريوهات الحرب عليها.
يتمثل الهاجس الأمريكي الأول في بناء الصين وامتلاكها قواعد الصواريخ المضادة للسفن، التي تعوق حرية القوات البحرية الأمريكية العظمى، حيث احتلت خلال سنوات قليلة المركز الثاني بعد الولايات المتحدة في الإنفاق العسكري على مستوى العالم (2018)، بل أصبحت المنافس الاقتصادي لسوق السلاح الأمريكية. فاستخدمت أمريكا كل الوسائل المؤثرة لإعاقة نمو الصين في حرب تجارية معلنة (2018) وأخرى فيروسية (سارس وكورونا)، ينكرها البعض، في عامي (2003) و (2020)، وذلك بعد صعوبة اختراق العقل المركزي للحزب الشيوعي الصيني بجاسوس يفككها كما فعلت بالاتحاد السوفيتي القديم، علاوة على فشلها في عمليات التنصت لفك الاتصالات المشفرة وغير ذلك.
تتساوى الدولتان في المساحة تقريباً (تزيد مساحة أمريكا عن الصين بنحو 10%)، بدون هونج كونج وماكاو وتايوان، وتختلفان بفارق ملياري في عدد السكان لاحتلال الصين المرتبة الأولي عالمياً، بفارق طفيف عن الهند، مسجلة أكثر من أربعة أمثال سكان أمريكا (333 مليون نسمة/ 2020)، علاوة على استثمارها ذلك الحجم السكاني بطرق ذكية ومبتكرة. وبحسب تأسيس الدولة، أحيت “الصين الجديدة” الذكرى السبعين في أكتوبر (2019) وتتم الولايات المتحدة (244) عاماً في يوليو (2020)، ولكن حسب تاريخ الحضارة تمتد جذور دولة الصين القديمة (المسجلة) لأكثر من عشرين قرناً على الأقل قبل أمريكا. ومن ناحية العلاقة بالعالم، تميل الثانية للأنسنة والأولى للهيمنة المتواصلة مع حروب إبادة الهنود الحمر قديماً ومساعدة المحتل الإسرائيلي على فعل ذلك حديثاً.
ويشتركان في نفس خطوط العرض تقريباً على جانبي المحيط الهادي الشرقي والغربي، وكأنهما عينان في اليابسة لفم المحيط الفاغر، الأسيوية لديها متسع من الظهير الصحراوي وطول السواحل البحرية، بينما يعتصر المحيطين الأطلسي والهادي الولايات المتحدة مع تلاشي الظهير القاري. وبتخطي المقارنة الحسابية بين الجيشين، تتميز امكانيات الصين العسكرية من حيث منع الوصول وحظر المناطق وسيناريوهات الحرب البحرية التي حذرت من قوتها الصاروخية وحرقها مواقع كثيرة بالمحيط الهادي حتى شمال أستراليا، علاوة على مدمراتها التي تفوق مثيلتها الأمريكية واليابانية من حيث نوعية التسليح الصاروخي والإلكتروني. وتعد الحرب البرية على الصين ضرب من الخيال، ويستوعب ذلك كلا الطرفين وحلفائهما ومدى الدمار الشامل على منطقة شرق آسيا ومناطق كثيرة أخرى.
تتحدى الولايات المتحدة العالم وحالته غير مستقرة بشعارها الأحادي البعد “أمريكا أولاً”، ضد التعاون الدولي متعدد الأطراف، وتزيد الطين بلة في التلويح بتكلفة الحماية الأمنية لحلفائها واستغلالهم لها دون دفعهم المقابل المناسب، بل تريد من الجميع الالتزام بقبلة “إعادة العظمة لأمريكا” دون حساب لانهيار النظام العالمي وتفشي انعدام الأمن. وحقيقة الأمر في الصراع مع الصين كقوة عظمى منافسة لأمريكا اقتصادياً وتقنياً، ودخولها بعد مرحلة النمو الاقتصادي السريع مرحلة التنمية عالية الجودة، ومشروعها الحضاري “طريق الحرير”، وإطلاقها شبكات الجيل الخامس، وسعيها للاستقلال عن فضاء الإنترنت الأمريكي الأوحد، ويبقى الأمل في قطبين يصلحان ما أفسده القطب الواحد.