كوفيد-19 وتوضيح التغير المناخي

محمد التفراوتي12 مايو 2020آخر تحديث :
كوفيد-19 وتوضيح التغير المناخي

آفاق بيئية : أوليفيا مشاريس / نديم فرج الله

لقد سلطت ازمة كوفيد -19 الضوء على هشاشة النظام العالمي حيث سعت الحكومات الى الحد من انتشار الفيروس من خلال الاغلاق وقيود السفر مما أدى الى تعطيل الاقتصادات وخلق ركود عالمي . ان الدول الأكثر فقرا والتي تفتقر للموارد والمرونة والصلابة من اجل التخفيف من أثار تلك الجائحة ستكون الأكثر تضررا وكما هو الحال بالنسبة للتغير المناخي فإن كوفيد-19 سوف يؤدي لتفاقم انعدام المساواة على مستوى العالم .

A queue of needy individuals with plates in hand forms outside Samantha Murozoki’s home in Chitungwizaon May 5, 2020, where she feeds the underprivileged a free meal during the government imposed COVID-19 coronavirus lockdown period in Zimbabwe. – With the help of volunteers Samantha Murozoki serves over a 100 hot meals per day from her home to underprivileged families whose household income has been cut off by closure of all informal markets during the lockdown. (Photo by Jekesai NJIKIZANA / AFP) (Photo by JEKESAI NJIKIZANA/AFP via Getty Images)

ان هذه المقارنة تعطينا دروسا مهمة وكما هو الحال في تغير أنماط المناخ وخسارة الأنظمة البيئية السليمة والتنوع الحيوي فإن كوفيد-19 يفاقم من التهديدات الحالية وكما يتعامل صناع السياسات مع التأثيرات قصيرة المدى لغازات الدفيئة والوقود الأحفوري ، فإن الحكومات سارعت للتعامل مع العواقب الصحية والاقتصادية الفورية للفيروس مع تجاهل المخاطر الأمنية الأشمل ولكن وكما يحصل في حالة التغير المناخي فإن تجاهل الابعاد الاجتماعية والسياسية للازمة يؤدي الى المزيد من انعدام الاستقرار والتطرف والهجرة وتكرار تفشي الأوبئة.

ان انتشار كوفيد -19 سيؤثر على قطاعات من المجتمع والتي تعتبر الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي . إن الشعوب التي تعاني من الفقر والحرمان تواجه مخاطر صحية اكبر بسبب عدم  قدرتها على الوصول للمياه وخدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية بشكل كاف . ان الفقراء أو المشردين عادة ما يفتقدون للقدرة على العزل الذاتي في غياب منازل ملائمة أو أمن وظيفي أو شبكة آمان اجتماعي وفي الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال فإن معدلات الوفاة كانت مرتفعة بشكل غير متناسب بين الامريكان من أصول افريقية مما يعكس عدم المساواة الهيكلية طويل الأمد.

ان تأثير كوفيد-19 على الأمن الغذائي يشبه كذلك تأثير التغير المناخي . إن المجتمعات المحرومة تعاني بشكل أكبر من عواقب الاضطراب في سلاسل التوريد والتضييق على التجارة الدولية. ان سبل عيش صغار المزارعين والرعاة وصيادي الأسماك تتأثر سلبا كذلك بينما قد تضطر الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الى اعلان افلاسها أو الاغلاق مما يدفع بالناس من محدودي أو متوسطي الدخل للوقوع في براثن الفقر.

ان العواقب المشؤومة لا تقتصر على ذلك وكما هو الحال في التغير المناخي فإن تدمير الجائحة لسبل العيش قد يدفع بالناس للجوء للعنف أو قد يصل الأمر لإن تخلق تلك الجائحة الحوافز اللازمة للانضمام للمجموعات المسلحة مما يزيد من مخاطر الصراع . ان احتمالية وقوع أعمال عنف تكون مرتفعة على وجه الخصوص في الأنظمة السياسية الهشة ضمن مجتمعات لديها تاريخ من الصراع أو المجتمعات المهمشة سياسيا .

ان تعامل الحكومات غير الكاف او غير المسؤول مع أزمة كوفيد -19 والتي تعتبر البرازيل ونيكارغوا من الأمثلة الواضحة عليها سيؤدي لتوتر العلاقات مع الشعوب والى زيادة مشاعر القلق والإحباط عند الناس علما انه لن يكون من المفاجئ ان تصل تلك التوترات لذروتها وتقع اضطرابات مدنية على مستوى أوسع وذلك نظرا الى عدد البلدان التي أدى فيها نقص الغذاء والماء الناجم عن فشل الدولة في التأقلم مع الانتكاسات المتعلقة بالمناخ الى اضطرابات اجتماعية. يوجد هناك أيضا خطر كبير وهو ان تؤدي سوء الإدارة الرسمية للازمة الصحية لتهميش الشعوب بشكل اكبر وزيادة التوترات على أسس جغرافية أو عرقية أو طائفية.

وبالطريقة نفسها فإن الناس الذين لديهم مظالم وشكاوى من حكوماتهم قد يستغلون الجائحة لتقويض سلطة الدولة ففي منطقة بحيرة تشاد أدى الجفاف المدمر ونقص المساعدات الحكومية الى زيادة التطرف وجهود التجنيد من قبل بوكو حرام وغيرها من الميليشيات الجهادية علما ان نفس تسلسل الأحداث قد ساهم في صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق وسوريا.

وكما هو الحال في التغير المناخي فإن النخب السياسية التي تهدف الى حشد الدعم أو إخفاء العيوب والفشل يمكنها استغلال الازمة والتلاعب بها من خلال إيجاد كبش فداء كشماعة لاخطائها مما قد يتسبب في أشكال اكثر حدة من العنف ففي الجزائر استغلت الحكومة الازمة الصحية من اجل قمع المعارضة بينما قام السياسيون أصحاب التوجه القومي في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا بالقاء اللوم على المهاجرين والأجانب فيما يتعلق بانتشار الفيروس حيث تسبب ذلك في زيادة الوصم بالعار والتمييز والهجمات العنصرية.

لقد لاحظ العديد من الناس في واقع الامر الخطر بإن تثير الأزمة رد فعل كبير ضد اللاجئين. ان حقيقة ان مخيمات الأشخاص المشردين داخليا معرضون بشكل خاص لتفشي الامراض المعدية يعني أن أي تدفق جديد للناس الذين يهربون من الصراعات او تأثيرات التغير المناخي قد يواجه مقاومة أشد من السلطات والمجتمعات المحلية فعلى الحدود اليونانية –التركية أطلقت القوى الأمنية الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على اللاجئين مما يدل على المدى الذي يمكن ان تصل اليه الحكومات من اجل صد طالبي اللجوء والمهاجرين .

لقد جعلت جائحة كوفيد-19 العالم يواجه اختبارا يبدو انه سوف يفشل في اجتيازه حيث يفتقد العالم للتعاون والنهج الشامل في التعامل مع التداعيات المتعددة الأوجه لهذه الأزمة.  لا يمكن لصناع السياسات ان يركّزوا على احتواء الجائحة فحسب ، بل عليهم كذلك الاستثمار في المستقبل . ان هذا يشمل السعي لعمل تغييرات سريعة وبعيدة المدى وغير مسبوقة للحد من الاحتباس الحراري وتقوية ردنا الجماعي على التهديدات المرتبطة به.

قد يكون العالم الان اكثر استجابة وترحيبا لمثل تلك الإصلاحات حيث لا يوجد لدينا أي خيار وبينما يمكننا إدارة جائحة كوفيد-19 باستخدام التباعد الاجتماعي والأدوية المضادة للفيروسات على أمل إيجاد لقاح في نهاية المطاف فإن التغير المناخي يمثل تهديدا وجوديا اكبر وذلك نظرا لإن تأثيراته ليس لها علاج محدد أو فترة زمنية محددة. ربما يوجد زر لإعادة ضبط الاقتصاد العالمي في فترة ما بعد الجائحة ولكن ليس هناك زر مماثل للكوكب الذي يعتمد عليه ذلك الاقتصاد.

بروجيكت سنديكيت

*أوليفيا مشاريس : باحثة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت.

*نديم فرج الله :  مدير برنامج تغير المناخ والبيئة في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!