هضم بيولوجي يولد الطاقة من النفايات

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
هضم بيولوجي يولد الطاقة من النفايات

 طاقة من النفايات

     80 مليون طن من النفايات المنزلية  ينتجهـا العــالم العـربي كـل سنـة ويمكن تحويلها إلى كهرباء

OLYMPUS DIGITAL CAMERA 

بوغوص غوكاسيان

يزدهر في العالم حالياً قطاع يثبت ربحيَّته، هو تحويل النفايات الى طاقة بواسطة تكنولوجيات تولِّد منها كهرباء أو حرارة أو وقوداً حيوياً أو وقوداً اصطناعياً. وهذا التحويل لا يعني الحرق فقط، كما أن اختيار التكنولوجيات يعتمد على خليط النفايات. فكلما ازدادت المواد العضوية ونسبة الرطوبة في النفايات انخفضت كفاءة الحرق مثلاً.

تصنف هذه التكنولوجيات الحديثة في فئتين: حرارية وغير حرارية. وغالبيتها تولد الكهرباء مباشرة من خلال الاحتراق، أو تنتج وقوداً قابلاً للاحتراق مثل الميثان والميثانول والايثانول والهيدروجين وأنواع من الوقود الاصطناعي. وتزداد ثقة العالم بهذه العمليات المتطورة، لأنها توفر طاقات متجددة مأمونة ومجرَّبة تتماشى مع المعايير البيئية الصارمة.

في العام 2007، كان هناك أكثر من 600 محطة كبيرة لتحويل النفايات الى طاقة في 35 بلداً حول العالم. وتعالج الدنمارك حالياً نسبة من نفاياتها تفوق ما يعالج في أي بلد آخر، إذ يذهب نحو 54 في المئة منها الى محطات تحويل النفايات الى طاقة. وتعالج السويد وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وفرنسا واليابان أكثر من ثلث نفاياتها في محطات مماثلة، بالمقارنة مع 14 في المئة في الولايات المتحدة.

الحرق والانحلال الحراري

حرق النفايات الصلبة يحولها الى رماد مع استرجاع الطاقة، وهو أكثر تكنولوجيات تحويل النفايات الى طاقة شيوعاً في العالم، وينتج الكهرباء والحرارة. وتستوفي جميع محطات الحرق الجديدة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية معايير الانبعاثات الصارمة، وتخفض حجم النفايات الأصلية بنسبة تترواح بين 95 و96 في المئة، أو 75 في المئة من وزنها.

وقد ازدادت قدرات الحرق العالمية بنسبة 3 في المئة سنوياً خلال الفترة من 2005 الى 2010. وتعالج اليابان 40 مليون طن سنوياً من نفاياتها البلدية الصلبة بالطرق الحرارية، وبذلك تحتل المرتبة الأولى عالمياً. لكن معالجة النفايات بالحرق هي موضوع جدل مكثف حول العالم. وعموماً، تشمل المخاوف المتعلقة بتشغيل المحارق إنتاج ملوثات للهواء، مثل الجسيمات الدقيقة والمعادن الثقيلة والديوكسينات والغازات الحمضية، وإن تكن هذه الانبعاثات منخفضة جداً في المحارق الحديثة. وإلى ذلك، فإن غالبية المحارق الحالية تولد الكهرباء من خلال دورة البخار، التي تتصف بكفاءة كهربائية منخفضة تتراوح بين 14 و28 في المئة، وتُستعمل بقية الطاقة المنتجة كحرارة أو لا تستعمل أبداً.

النظم البخارية، مثل محارق النفايات، قد تولد ما بين 450 و550 كيلوواط ساعة من الكهرباء لكل طن من النفايات البلدية الصلبة، التي تطلق أيضاً نحو طن واحد من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

الانحلال الحراري تكنولوجيا أخرى تستخدم فيها الحرارة الفائقة في غياب الأوكسيجين، لتفكيك المواد العضوية الغنية بالكربون وإنتاج ثلاثة أنواع من مصادر الطاقة: فحم صلب بنسبة 35 في المئة وزناً، وزيت سائل (وقود حيوي) بنسبة 40 في المئة، وغاز اصطناعي هو خليط من أول أوكسيد الكربون والهيدروجين وثاني أوكسيد الكربون بنسبة 10 في المئة. المنتجان الأولان قابلان للتخزين، أما الغاز فيحرق في عملية الانحلال الحراري التي هي أكثر أماناً وأقل تلويثاً من الحرق.

يتيح الانحلال الحراري الاستعمال المباشر للمنتجات. وهناك اتجاه حديث لتحويل البلاستيك المتخلف بعد اعادة تدويره الى نفط أو غاز، وهذا يولد 1,8 الى 3,6 مليون وحدة حرارية بريطانية(Btu) لكل طن من البلاستيك. وتبلغ كلفة معالجة النفايات البلدية الصلبة بهذه الطريقة في البلدان الصناعية نحو 50 دولاراً للطن.

غاز من النفايات

تعتبر تكنولوجيا التغويز وسيلة كفوءة لتحويل أنواع منخفضة القيمة من الوقود والمخلفات الى غاز اصطناعي. ويمكن تغويز أنواع كثيرة من اللقائم، مثل النفايات البلدية الصلبة، والوقود المشتق من النفايات، والبلاستيك الذي لا يعاد تدويره، ومخلفات الصناعة الزراعية، وحمأة الصرف الصحي المجففة، والفحم. ويتم تحويل هذه اللقائم الى غاز اصطناعي يحتوي بشكل رئيسي على أول أوكسيد الكربون والهيدروجين، من خلال تفاعلها بلا احتراق مع كمية مضبوطة من الأوكسيجين أو البخار في حرارة عالية تزيد على 700 درجة مئوية. وتبلغ القيمة الحرارية لخليط الغاز الاصطناعي الناتج 10 إلى 15 في المئة من قيمة الغاز الطبيعي.

في المحطات الكبيرة، يستعمل الغاز الاصطناعي لتوليد الطاقة الكهربائية وإنتاج الحرارة، ما يعتبر جذاباً من الناحيتين الاقتصادية والبيئية. ويمكن تحويل الغاز الاصطناعي الى ميثانول وأمونيا وبنزين اصطناعي، أو استعماله مباشرة كبديل للغاز الطبيعي، وحتى مزجه بالغاز الطبيعي في شبكة الإمداد بالغاز.

وبالمقارنة مع الإرسال إلى المطامر، يوفر تغويز النفايات البلدية الصلبة ما بين 7 و14 مليون وحدة حرارية بريطانية لكل طن، و0,33 الى 0,66 طن من انبعاثات مكافئ الكربون لكل طن من النفايات. وتبلغ كلفة معالجة النفايات البلدية الصلبة بواسطة تكنولوجيات التغويز نحو 50 دولاراً للطن.

أهم الحسنات التي تجعل تغويز النفايات متفوقاً على الحرق هي إمكانية توليد الطاقة الكهربائية في المحركات والتوربينات الغازية، وهذا أرخص كثيراً وأكثر كفاءة من دورة البخار المستعملة في الحرق. وتكون الانبعاثات أقل، كما يمكن إطلاق الرماد (2%) في شكل زجاجي ومستقر كيميائياً، وتحويل ما يصل الى 98 في المئة من مجرى النفايات الى طاقة. وقد تولد التوربينات الغازية في محطات التغويز، خلال دورة مشتركة، ما بين 900 و1200 كيلوواط ساعة من الكهرباء لكل طن من النفايات البلدية الصلبة، أي ضعفي ما يتحقق في الدورة البخارية المستخدمة في نظم الحرق.

تقدر كلفة إنشاء محطة لتغويز النفايات بقدرة 680 طناً في اليوم، تناسب مدينة صغيرة أو مجموعة قرى، بنحو 150 مليون دولار. وهي تتطلب عناية فائقة لتحديد أسعار كل عملية، فرسوم التفريغ وأسعار الكهرباء والمواد الصالحة لإعادة التدوير وأسعار الفائدة والضرائب تتفاوت كثيراً.

عمليات غير حرارية

هناك عدد من التكنولوجيات الحديثة القادرة على إنتاج طاقة من النفايات وأنواع أخرى من الوقود من دون حرق مباشر. وكثير من هذه التكنولوجيات تنتج طاقة كهربائية من كمية النفايات ذاتها أكبر مما يمكن إنتاجه بواسطة الاحتراق المباشر. وبامكان بعض التكنولوجيات غير الحرارية أن تحول النفايات بكفاءة الى وقود سائل أو غازي.

يتميز الهضم البيولوجي بامكانية عالية في تحويل النفايات الى طاقة. وهو عملية بيولوجية تتفكك فيها النفايات العضوية بفعل البكتيريا (أو الانزيمات) الى جزيئات بسيطة، إما لاهوائياً وإما هوائياً. ويتم إنتاج أنواع وقود متجددة.

يعتمد الهضم اللاهوائي للكتلة الحيوية على بكتيريا لاهوائية تفكك النفايات القابلة للتحلل في غياب الأوكسيجين. وهو يسفر عن ثلاثة منتجات ثانوية، هي الغاز الحيوي والسائل الحيوي والسماد الليفي العضوي (كومبوست). الغاز الحيوي هو خليط غازي يتكون من 60 في المئة ميثان ونحو 40 في المئة ثاني أوكسيد الكربون، مع كميات ضئيلة جداً من كبريتيد الهيدروجين والأمونيا. ويمكن استعمالـه في محركات الاحتراق الداخلي لتوليد الكهرباء والحرارة. أما السائل الحيوي والسماد العضوي فيمكن استعمالهما لتحسين خصوبة التربة.

أما تكنولوجيا الهضم الهوائي أو التخمير، فتعتمد على بكتيريا هوائية تحلل الكتلة الحيوية في وجود الأوكسيجين وتحولها الى إيثانول (كحول إثيلي) ومنتجات أخرى، باستعمال نفايات سلولوزية أو مواد عضوية. وأثناء عملية التخمير البكتيري، حيث يمكن استعمال أنزيمات لتسريع العملية، يتحول السكر في النفايات الى ثاني أوكسيد الكربون وإيثانول.

ويعتبر إنتاج الايثانول من محاصيل غذائية مثالاً آخر على الهضم الهوائي. فالبرازيل، مثلاً، تنتجه من قصب السكر منذ عقود، والولايات المتحدة تنتجه من الذرة، وهو يمزج بالبنزين ويستعمل وقوداً للسيارات. لكن هذه العمليات تلقى معارضة عارمة في أنحاء العالم لتسببها في ارتفاع أسعار المواد الغذائية. والاتجاه اليوم هو إلى إنتاج الإيثانول، أو الوقود الحيوي، من محاصيل غير غذائية أو من الفضلات الزراعية.

ويمكن أيضاً إنتاج الايثانول من النفايات البلدية الصلبة. ومثال على ذلك، شركة «فولكروم بيوإنرجي» الأميركية التي بنت عام 2010 محطة تخمير كبيرة في ولاية نيفادا لتحويل النفايات الى طاقة، بحيث تنتج 40 مليون ليتر إيثانول سنوياً من 90 ألف طن من النفايات البلدية الصلبة.

المعالجة البيوكيميائية هي عملية أخرى لإنتاج طاقة من النفايات البلدية الصلبة من دون احتراق. ومن أشكالها الحديثة تكنولوجيا «دندرو» ذات الإمكانات العالية والقريبة من تكنولوجيا «صفر نفايات». في هذه الحالة، تعالج جميع النفايات المختلطة، بما فيها البلاستيك والكتل الخشبية الكبيرة، في مفاعل لإنتاج أول أوكسيد الكربون والهيدروجين اللذين هما وقودان نظيفان لتوليد الطاقة الكهربائية. وبإمكان محطة دندرو عادية بقدرة 30 ألف طن سنوياً (على أساس لقيم جاف يعادل نحو 80 ألف طن من النفايات الرطبة في السنة) إنتاج 53 مليون كيلوواط ساعة من الكهرباء في السنة. وهذا يحتاج الى استثمار 17,5 مليون دولار وتكاليف تشغيلية سنوية بنحو 2,1 مليون دولار. وتبلغ العائدات الاجمالية السنوية للمحطة نحو 20,5 مليون دولار، ما يعني أنها تسترد كلفتها خلال عام واحد وتحقق أرباحاً مرتفعة طوال عمرها الذي يزيد على 15 عاماً.

أما المعالجة الميكانيكية فهي طريقة شائعة في مراكز إعادة تدوير النفايات البلدية. وهي تنتج وقوداً  في شكل حبيبات تستعمل في تشغيل المحارق ومحطات التغويز.

مشاريع في العالم العربي

يقدر مجموع النفايات المنزلية المولدة في البلدان العربية بأكثر من 80 مليون طن سنوياً. والمكبات المكشوفة هي الوسيلة الأكثر انتشاراً للتخلص منها. لكن بدأ حديثاً في بعض البلدان العمل على مشاريع لتحويل النفايات الى طاقة.

وقد وقعت شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة) ومركز إدارة النفايات في أبوظبي مذكرة تفاهم لبناء محطة حرارية لتحويل النفايات الى طاقة، قدرتها 100 ميغاواط، في أبوظبي بحلول 2015 _ 2016. وستكون المحطة قادرة على معالجة كمية تصل الى مليون طن من النفايات البلدية سنوياً.

وفي البحرين، يتم تطوير محطة حرارية في قرية عسكر قرب المنامة، قادرة على معالجة 390 ألف طن من النفايات المنزلية سنوياً وتوليد 25 ميغاواط من الكهرباء التي تغذي الشبكة العامة.

وفي الأردن، هناك في مطمر الرصيفة قرب عمان محطة لتحويل النفايات الى غاز حيوي من خلال الهضم اللاهوائي، قدرتها ميغاواط واحد، وهي تعمل بنجاح منذ 1999. وقد حقق المشروع ربحاً سنوياً صافياً من بيع الكهرباء مقداره نحو 100 ألف دولار. وتبذل جهود لزيادة قدرة المحطة الى 5 ميغاواط.

وفي تونس محطة تجريبية لتحويل النفايات الى غاز حيوي لاهوائياً. وفي لبنان، رُكبت في مدينة صيدا عام 2005 أول محطة بيو ـ ميكانيكية لتحويل النفايات الى طاقة، وتضم مرحلة منفصلة لتخمير النفايات لاهوائياً لكنها لم تشغل حتى الآن بسبب مشاكل تقنية. 

(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد أيلول/سبتمبر2012) 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!